كتب رفيق يوسف
عام 1997، في قرية هادئة تُدعى “المنازلة” بمحافظة دمياط في مصر، وُلدت فتاة عادية الملامح… لكنها كانت تخفي في قلبها طموحًا استثنائيًا لا يُقاس بحدود القرية ولا بقيود الإمكانيات. ياسمين يحيى عبده مصطفى، الابنة الوسطى لأسرة مصرية بسيطة، فقدت والدها في سن مبكرة، لكنها وجدت في والدتها سندًا لا يُقدّر بثمن، وفي تحديات الحياة وقودًا دفعها إلى السماء.
منذ طفولتها، أظهرت ياسمين نبوغًا غير عادي، فقد حصلت على المركز الأول على محافظة دمياط في المرحلة الابتدائية، والثاني في المرحلة الإعدادية. ومع كل نجاح، كان حلمها يكبر. حلم أن تتعلم، أن تخترع، أن تُحدث فرقًا. وبعد صراع طويل، استطاعت إقناع أسرتها بالانتقال إلى القاهرة لتلتحق بمدرسة “المتفوقات في العلوم والتكنولوجيا” بزهراء المعادي، رغم العراقيل الإدارية والتحديات المادية.
لكن الحلم كان يستحق المغامرة.
في هذه المدرسة، بدأت ياسمين تتألق علميًا، وفي إحدى الليالي، ووسط دفاتر التجارب وأجهزة المعامل، خطرت لها فكرة قد تُغير العالم: جهاز بسيط يعمل على تبخير المياه بحرارة حرق قش الأرز، ومن ثم تحويل الغازات الناتجة إلى طاقة باستخدام الطحالب، واستغلال الرماد في صناعات متعددة. مشروعها الذي أسمته “القوة الكامنة في قش الأرز” لم يكن مجرد فكرة، بل كان حلمًا أخضر قابلًا للتحقق… وصديقًا للبيئة.
تقدمت بمشروعها لمعرض “إنتل الدولي للعلوم والهندسة – Intel ISEF”، وهو من أضخم المسابقات العلمية في العالم، حيث شارك فيه أكثر من 1700 طالب من 78 دولة، تحت تحكيم لجان تضم علماء حائزين على جوائز نوبل. وهنا، أبهرت ياسمين الجميع، وانتزعت المركز الأول في فئة علوم الأرض والبيئة، لتصبح أول طالبة عربية تفوز بهذه الجائزة العالمية الرفيعة.
ولم تقف الإنجازات هنا…
تقديرًا لإنجازها العلمي، أطلقت وكالة ناسا اسم عائلتها “مصطفى” على أحد الكويكبات المكتشفة حديثًا، ليحمل الرقم (31910 MOUSTAFA)، ويصبح ذلك الجرم السماوي شاهدًا على عبقرية فتاة مصرية لم تتجاوز الـ17 من عمرها حينها. الكويكب الصغير يدور الآن في أعماق الفضاء، بينما لا يزال طموح ياسمين يدور حول أفكار أكبر لم تُكتب بعد.
رفضت عروضًا مغرية من مؤسسات ودول أجنبية لتبني اختراعها، وأصرت على أن يُنفذ على أرض وطنها مصر. تلقت تكريمات عديدة، من وكالة ناسا، ومن مؤسسات علمية عربية مثل مؤسسة “القدرات” الإماراتية، ودُعيت لإلقاء محاضرات في مؤتمرات دولية، وهي الآن – في عمر 23 عامًا – تواصل العمل كباحثة في مجال الذكاء الاصطناعي، وتسير بخطى واثقة على درب العلماء الكبار.
ياسمين ليست فقط فتاة عبقرية، بل قصة إنسانية مُلهمة تقول لكل من يقرأها:
العبقرية لا تحتاج إلى ظروف مثالية، بل إلى إيمان لا يتزحزح بأنك قادر على أن تصنع الفرق… حتى من قرية صغيرة في قلب دمياط.