مقال بعنوان:
قراءة في فلسفة الوسط والاعتدال وانعكاساتها علي واقعنا المعيش
بقلم الأستاذ الدكتور عادل خلف القليعي، أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.
ديننا الإسلامي الحنيف دين سمح، يرفض المغالاة والتشدد والتطرف في كل شيئ.
دعوة النبي صلي الله عليه وسلم دعوة غراء، لا اعوجاج فيها، روحها وديناميكيتها واستمراريتها إلي الآن، من ألف وأربعمائة وثلاث وأربعون عاما، وستظل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، أنها دعوة قامت علي الحق ودحض الباطل، قامت علي كل مجامع الخيرات، ومحاربة كل الموبقات، قامت علي الحب والود، ونشر السلام والأمن والأمان، ونبذ كل صنوف التطرف الفكري، وطرح ومواجهة كل أشكال الإرهاب الأسود، وترويع الآمنين المطمئنين.
هذه دعوة الإسلام الي الدنيا بأسرها دعوة إلي الإخاء والسلام العالمي، والتعايش السلمي بين كل الشعوب والأجناس،
دعوة ترفض التشرزم والتحزب، والفرقة والافتراق الذي يقودنا إلي الاغتراب عن ذواتنا وعن ديننا،وعن وطننا.
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعوته رفضت كل أشكال العنصرية، والتفرقة بين الأجناس، فلا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا آري ولا سامي إلا بالتقوي والعمل الصالح، كلكم خلق من تراب وكلنا لادم وآدم من تراب.
فلا داعي يا دعاة العنصرية إلي هذا التمييز البغيض.
هاهو رسول الله يوبخ سيدنا أبا ذر عندما عير سيدنا بلال بسواد جلده، قال له يا أباذر انك امرؤ بك جاهلية.
ديننا الحنيف رفض التحزب والتشرزم لأن ذلك سيؤدي الي شتات الأمة، وهذا ما كان يخشاه علينا إنما تأكل الذئاب من الغنم القاصية،
دعانا النبي الي الاستمساك بالعروة الوثقي التي لا انفصام لها، دعانا الي التمسك بحبل الله المتين، متمثلين قول الله تعالي:(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
لا تتحزبوا ولا تتفرقوا من بعد ما جائتكم البينة،
اجعلوا تجمعكم واجتماعكم لله تعالي،واجعلوا تحزبكم لحزب واحد ألا وهو حزب الله المتين الذي من سار خلفه لا يضل ولايشقي، حزب لا إله إلا الله، محمد رسول الله، تجتمع تحته كل الالوية والرايات، اجتماع بحق، لا مأرب ولا غرض من وراءه، لا أغراض دنيوية بئيسة، لا تقاتل من أجل جاه أو سلطان .
لا توظيف بغيض للدين لخدمة أمور ستزول بزوال المؤثر فالكل سيفني ولن يبقي إلا ما قدمته أيديكم،(ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.)، (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا، وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا)
ديننا الحنيف،بل كل الأديان دعوة للبناء والتشييد والتعمير، لا دعوة للهدم والتخريب.
ديننا الغر السمح يرفض الإرهاب الأسود الذي انتشر واستشري خطره، وبات يهدد المجتمعات، لا أقول الإسلامية وحدها، بل أصبح يهدد العالم بأسره.
ومن ثم أصبح لزاما علي كل ذي غيرة علي وطنه وعلي دينه واعي ما أقول علي دينه لأنه وللأسف الشديد تمارس هذه العمليات الإرهابية باسم الدين والله تعالي ورسول براء منهم ومن أفاعيلهم.
أضحي لزاما علينا جميعا ان نلتف حول قادتنا كل في مكانه، وكل يتحمل المسؤولية، المفكر يتوجه بخطاب توعوي يوضح خطورة هذا الأمر علي الأفراد وعلي المجتمع، ويوضح آثاره السلبية في عرقلة مسيرة التنمية، والنهوض بالبلاد علي كافة المستويات،الاقتصادية، السياسية، الثقافية، العلمية، داخليا وخارجيا.
عالم الدين الحقيقي، واعي جيدا ما أقول علماء الدين الذين ينتمون إلي المؤسسات الدينية ممثلة في الأزهر الشريف شرفه الله وأعلي قدره، الأوقاف وتدريب الدعاة، الإفتاء.
مؤسسة الكنيسة، لها دور أيضا لابد أن تتبني خطابا توعويا لمواجهة هذا التطرف وهذا الإرهاب الأسود الذي يطل علينا برأسه الخبيث كل فينة وفينة.
الدولة عليها أيضا دور مهم في مجابهة هؤلاء عسكريا واستئصال شأفتهم.
وجميعنا يشاهد ويسمع كل يوم استشهاد فلان وفلان، اللهم حسيبهم (ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا،بل أحياء عند ربهم يرزقون).
فلابد من الضرب بيد من حديد علي هؤلاء،ليس هؤلاء وحدهم، بل كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات الأمة، ومقدرات بلدنا الحبيب، وأمننا القومي.
أقول لمن تسول له نفسه ويظن أنه حامي حمي الديار وحامي الدين لا تتاجروا بالدين فالدين لا يشرعن للقتل، لا يشرعن لسفك الدماء، لاتنصبوا أنفسكم حماة للشريعة، فكل إنسان يتق الله فهو حارس وحام ومدافع عن الشريعة.
أصلحوا أنفسكم أولاً ، وأصلحوا ذات بينكم ولا تتخذوا الدين ستارا تستترون خلفه، من أجل مآرب أخري.
ديننا دين وسطي يرفض المغالاة والتشدد في كل شيئ، ديننا دين الرحمة، (فبما رحمة من الله لنت لهم)
ديننا اللين والمودة، وعدم التشدد( واخفض جناحك للمؤمنين)،
دين الرأفة فما دخلت الرأفة في شيئ الا زانته وما خرجت من شيئ إلا شانته.
عندما ذهب النبي لفتح مكة والقوة والعدة والعتاد حوزته،ووصلوا الي أبواب مكة، الصحابة هللوا،اليوم يوم الملحمة، يوم المعركة،يوم المقتلة.
إلا أن أبا الزهراء قال لا اليوم يوم المرحمة.
اذهبوا فأنتم الطلقاء.
هذا هو ديننا الوسطي السمح الذي لايميل بالكلية الي هذا ولا إلي ذاك.
وانما وسط عدل محمود،دونما إفراط أو تفريط.