أخبار عاجلة

مشوار نجاح

مشوار نجاح
قصة قصيرة

كاتب القصة: عبده داود
تموز 2021
أرسل عاصم إلى قريبه كمال طلباً للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مادحاً له العالم الجديد بلد العمل، والذهب الأصفر…
استقبل عاصم صديقه في الميناء، وأحضره إلى غرفته المتواضعة في ميامي…
وبعد الأحاديث الطويلة عن الضيعة وناس الضيعة، استأذن عاصم كمال وذهب إلى عمله.
كمال الآن في امريكا، لم يكن يدري ما الذي سيفعله في هذا البلد الغريب، وهو لا يعرف لغتهم. ولا يجيد صنعة…هو لم يعمل أي عمل في حياته سوى الزراعة في ضيعته التي لم يغادرها يوماً.
عاصم لم يكن لديه الوقت ليجالس صديقه، هو يذهب للعمل منذ الصباح ولا يعود حتى ساعة متأخرة من الليل يعمل في أحد المطاعم، يرجع منهكاَ وسرعان ما يخطفه النوم…
كمال كان وحيدا طيلة الوقت، كان دائم التفكير ما هو العمل الذي سيعمل به هنا، أين وكيف؟
يحن كثيرا للوطن وهذ ما كان يحرق قلبه في الغربة شوقه إلى أهله، وخاصة إلى ابن أخيه الطفل داود…يتذكر كلماته وحركاته وكان هذا الحنين يكوي فؤاده
هو أحضر معه صورة داود، وبروزها في أجمل إطار، وصمدها على الجدار كما تعلق صور الرموز المقدسة…
وكان يتساءل هل الله سيعاقبني على محبتي هذه لابن أخي؟ لأن الله اناني في الحب، يطلب المحبة المستديمة في أفكارنا وقلوبنا ومن كافة الخلائق في العالم، هو يقول لنا (من أحب ابناً، أو بنتاً، أو دارا، أو، أو… أكثر مني لا يستحقني)، لذلك كان كمال دائما يصلي طالباً من الله أن يسامحه على محبته لهذا الطفل الغالي…
كمال كان يومياً يتجول في الاسواق على غير هدى يراقب الناس ماذا يفعلون، ماذا يبيعون، ماذا يشترون، مجرد تمضية وقت واستطلاع لا أكثر، وكان يعيش هواجسه الشخصية في إيجاد عمل ما
ذات يوم، في أحد شوارع المدينة، شاهد جمهرة ناس غير اعتيادية أمام احدى المحلات، تجمهر هو مع المتجمهرين لمجرد الاستبيان وحب الفضول…
متجر كبير متخم بألبسة الاطفال، كسر في أسعاره بغية تصفية بضاعة نهاية الموسم
فكر كمال أن يشتري بعض الألبسة ليرسلها إلى داود حبيب قلبه…البسة جميلة وبسعر زهيد، اشتراها وجلبها إلى غرفته في منطقة شعبية مكتظة بالسكان وخاصة السود…
الجيران أحبو كمال، رجل غريب لطيف المعشر، كانوا يسمونه العم كمال، سألوه إذا كان يبيعهم تلك الألبسة التي جلبها.
باع العم كمال البسة داود، وذهب في اليوم التالي واشترى كمية أكبر من تلك الألبسة، وباعها. ثم اشتري كمية أكبر وباعها أيضاً
ويوماً بعد آخر، صار يشتري ويبيع، ويتضاعف رأس ماله، وكان يقول فعلاً تسع أعشار الرزق في التجارة
بعدها أخذ يبحث عن المحلات التي تعلن عن تصفيات كبيرة، ويشتري منها قبل الظهر ويلازم سكنه بعد الظهر يستقبل الزبائن الذين كانوا يتزايدون يوماَ بعد يوم…
البسة جديدة، ورخيصة، وجميلة، لذلك كان يبيع ويبيع…
ويدخر في المال.
لم تعد غرفته المشتركة مع صديقه صالحة لعرض المشتريات، لذلك عندما أعلن أحد المحلات في حارته عن تسليم محله، جرت مفاوضات، استأجر العم كمال المحل واسماه متجر داود… بالإنكليزية (دافيد ز ستور)
اشتهر (متجر داود) وكبرت تجارة العم كمال وكبرت أمواله في المصرف.
أحدى المحلات الكبيرة في السوق أعلنت عن تصفية حقيقية، وكسر بالأسعار كبيرا، العم كمال صار خبيرا في حاجة
السوق وصار معه رأسمال معقول، ذهب إلى ذلك المحل وفاوض صاحبه على شراء البضاعة المعروضة… واشترى كامل البضاعة المعروضة بسعر مغري جداً…
كانت تلك الصفقة، هي النقلة النوعية الكبيرة في أعمال كمال…
بعد سنوات من العمل انتقل كمال إلى السوق الرئيسية وصار متجر داود واحداً من المتاجر المشهورة ببيع الألبسة الجاهزة للأطفال… وصار كمال واحداً من التجار المعروفين في سوق البسة الأطفال في المدينة الكبيرة.
لم يعد كمال يبحث عن المحلات التي تكسر في اسعارها بل هو صار ممن يكسرون في اسعارهم بغية تصافي وتجديد في الألبسة في حانوته الواسع.
كذلك اخذ يبحث عن تجار الاقمشة ذاتهم ويشتري منهم ويتعامل مع ورش الخياطة، يعطيهم الأقمشة والموديلات الرائجة في السوق وهم يسلموه البسة جاهزة حسب طلبه…
تطور عمل العم كمال ووظف عنده صديقه عاصم وأسماه مدير متجر داود للألبسة الجاهزة، كما وظف عدد من البائعات وهو تفرغ ليعقد الصفقات مع محلات بيع البسة الأطفال داخل ميامي، وفي بعض الولايات القريبة… يسلم الأقمشة إلى مشاغل الخياطة، وهم يصنعونها ويوردونها لمحلات بيع الألبسة الجاهزة التي يعطيهم كمال عناوينهم…
كمال لم يعد يعنيه المتجر كثيراً صارت صفقاته كبيرة وخاصة بعدما صار عنده مشاغل خياطة خاصة، وصار يستورد الأقمشة من خارج الولايات الأمريكية، ومن الصين ومن دول أخرى… ويبيع الإنتاج في دول أمريكا الجنوبية في كوبا والبرازيل والمكسيك وكولومبيا والعديد من دول أمريكا اللاتينية…
كمال لم ينس بيت اخيه يوماً، كان يحول لهم الأموال إلى سورية لذلك عاشوا في بحبوحة مرتاحين في زمن الفقر في خمسينات القرن الماضي.
تزوج كمال من شابة إنكليزية، ولكنهما سرعان ما انفصلا بسبب خلافات بينهما نتيجة العقلية الشرقية المحافظة، والعقلية الغربية التي لا نتقبلها نحن الشرقيين.
وفكر زيارة الوطن والزواج من بنات ضيعته وكان يسوف أمر العودة من سنة إلى سنة، لكن سفينة حلمه جرت بعكس التيار…
مرض كمال وغادر هذا العالم، موصياً بأغلب ثروته إلى داود، لأن ألبسة داود كانت هي بداية مشوار النجاح
كاتب القصة: عبده داود

شاهد أيضاً

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد حوار: د.هناء الصاحب …