مجالات العناية بالبيئة

مجالات العناية بالبيئة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصا حتى أتاه اليقين، فاللهم صلي وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله ثم أما بعد، ذكرت المصادر الإسلامية الكثير عن عناية الفقه الإسلامي بالبيئة، وفيه مبحثان، فالمبحث الأول هو مجالات العناية بالبيئة، والمبحث الثاني وهو التطبيقات الفقهية للعناية بالبيئة، وذكرت المصادر أن من مجالات العناية بالبيئة هو أن هناك أحكام متصلة بصحة الإنسان، ومما لا شك فيه أن الفقه الإسلامي قد أعطى لصحة الإنسان عناية كبيرة لما يترتب على ذلك. 

 

من مصالح ومنافع في حال السلامة والعافية، ومن أضرار ومفاسد في حال الضعف والمرض إذ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، كما ورد في الحديث الشريف ولا شك أن الصحة والعافية من أهم أسباب القوة التي تحتاجها الأمة في كل أحوالها، ومن أهم المؤلفات التي توضح لنا ذلك كتاب مصالح الأبدان والأنفس، لأبي زيد البلخي حيث عاش صاحبه في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وبداية القرن الرابع، وإضافة إلى ذلك فإن البلخي يعد واحدا من أكبر علماء عصره، إذ كان جماعا لمعارف ذلك العصر وعلومه، فهو أديب، فيلسوف، متكلم، له مشاركات مهمة في علوم الشريعة والطب والتاريخ والجغرافيا، ويبدأ البلخي كتابه بقوله إن الله جل ذكره خص الإنسان بقوة التمييز ليعرف النافع فيجتلبه، والضار فيجتنبه.

 

ليكون ذلك سببا إلى صلاح معاشه ومعاده، وذريعة إلى إحراز خير عاجله وآجله، وآلته في إجتلاب المنافع وإجتناب المضار نفسه وبدنه، فبصلاحهما يتهيأ له بلوغ الواجب من ذلك عليه إذ ليس للإنسان سواهما وهما قسما كونه، وسببا وجوده في هذا العالم، فلذلك يحق على كل عاقل أن يعمل جده وإجتهاده فيما يستديم به سلامتهما وصحتهما، ويدفع عنهما عوارض الأذى والآفات، وحوادث العلل والأسقام، وأن لا يفيت نفسه حظا من العلم بالأشياء التي يصل بمعرفتها وإستعمالها إلى صلاحهما، وأن يجعل ذلك من أهم أموره إليه، وأولاها بأن يقصر عنايته عليه، ثم يقول وهذا كتاب ألفته في مصالح الأبدان والأنفس، ضمنته ما أرجو إنتفاع الناظر فيه به، وتعرفه جزيل العائدة في إستعماله، وقسمته مقالتين إحداهما في تدبير مصالح الأبدان، والأخرى في تدبير مصالح الأنفس.

 

أما عن مبلغ الحاجة إلى العناية بصحة الإنسان، وسلامة بدنه ونفسه، فيقول إن الذي يلزم الحاجة إليه في إستبقاء أبدان الناس تعهدها وصيانتها، في وقت صحتها من آفات الحر والبرد، والنكبات المؤلمة في ظاهرها، ومن أذى الجوع والعطش وما أشبههما في باطنها، وفي وقت علتها، من المعالجة بالأدوية التي تنفي عنها الأمراض أمر لا يكاد يخفى على أحد من العامة، فضلا عن الخاصة وذلك لمشاهدتهم ما يوجد فيها بتعهدها، وصيانتها من البقاء وصلاح الحال، وما يؤدي إليه إضاعتها وإهمالها من الفساد وسوء الحال، وحكم جميع أصناف الحيوان في ذلك أعني لزوم الحاجة إلى تعهدها وصيانتها، وحسن تدبير مآكلها ومشاربها، وإصلاح مأوى كل منها ومستقره، ونفي عوارض الآفات عن أبدانها، ومعالجة أدوائها العارضة لها، وما يؤديها إليه إضاعتها وإهمالها من الهلاك. 

 

وسوء الحال مشابه لحكم الإنسان، فما كان منها مساكنا للناس من أهليها فهم يقومون بتدبير مصالحه في هذه المعاني، وما كان وحشيا فقد ألهم من طباعه ما لزمته الحاجة إليه في حفظ بدنه وإجتلاب المنافع إليه، ودفع المضار عنه، ثم يتعدى ما وصفنا الحيوان إلى أنواع النبات والشجر من حاجة كل منها إلى التعهد والإستصلاح، والصيانة من آفة الحر والبرد، ويرى عيانا المنفعة التي تصل إلى ما يستتر منها عن برد الشتاء في بقائه عليه، أو إسراع آفة البرد إليه، وكذلك يرى عيانا أثر المنفعة في ثمارها، إذا تعهدت من بقائها الزمان الطويل، وما يصيبها بإغفالها وإضاعتها من تسلط العفونة والفساد عليها في المدة اليسيرة، ويوجد هذا المعنى أعني لزوم الحاجة إلى التعهد في الأشياء الصناعية التي يتكلف الناس عملها، كما يوجد في الأشياء الطبعية التي أنشها الخالق عز وجل مثلما يشاهد من حاجة الأبنية المشيدة إلى المرمة والعمارة، فمتى أخليت منها أسرع التداعي والخراب إليها.

شاهد أيضاً

حين يتحدث القلبُ… يُصغي الضميرُ إجلالًا ويُولد النجاح

حين يتحدث القلبُ… يُصغي الضميرُ إجلالًا ويُولد النجاح بقلم / الكاتب أحمد فارس    الضمير …

تكليف رمضان عبد الرحمن عبد الباري رئيسًا لمركز ومدينة أبو النمرس ضمن حركة المحليات الجديدة

تكليف رمضان عبد الرحمن عبد الباري رئيسًا لمركز ومدينة أبو النمرس ضمن حركة المحليات الجديدة …