لغة الأندلس
الجزء الخامس
مدرسة سادو
جاء حفيد أبو ماريا يزور بيت جده، قال صباح الخير،
سأل فارس مستغربا: هل لا يزال في الأندلس من يتكلم اللغة العربية حتى اليوم؟
قال أبو ماريا لا أعتقد ذلك، لكن بعض الأولاد يتعلمون في مدرسة سادو الخاصة، يلتقطون بعض الكلمات من أصحاب المدرسة السوريين، أستاذ اسمه مسعد، وصديقه يدعى مالك سوري أيضا.
مسعد متزوج راقصة الفلامنكو ديانا المشهورة في اسبانيا وحتى في أوروبا، مالك صديقه تزوج ماريا صديقة ديانا وسكرتيرتها…
مسعد ومالك يتكلمان مع بعضهما البعض باللغة العربية، بعض التلامذة يلتقطون منهما بعض الكلمات أو الجمل البسيطة…
قالت هدى: هل بإمكاننا زيارة هؤلاء السوريين؟
قالت ماريا سأهاتفهم ونطلب موعدا…
استقبل مسعد ومالك وزوجتيهما الضيوف، وصار تعارف بدون مصافحة أو قبلات بسبب المرض المنتشر كورونا… ودار الحديث في اللغة العربية وبعض الإسبانية
سأل فارس: اسم ابنكم سادو، واسم مدرستكم سادو ايضا، ما معنى كلمة سادو؟
قالت ديانا: هو اسم ابننا الأول، أنا اقتبسته من كلمتي سوريا ومسعد، يسهل لفظه للسوريين والإسبان. وسادو هو أول طالب تسجل في مدرسة سادو. مدرستنا
أولادنا أنا ومسعد، وكذلك أولاد مالك وماريا زوجته جميعهم تلامذة في المدرسة في المراحل المختلفة
سألت هدى: وهل ينجح تعليم الأهل لأولادهم؟
قال مسعد: سؤال ذكي، الجواب على سؤالك هو شهادات سبر المعلومات والفحوص التي تجريها وزارة التربية في المدارس…النتائج تشير دائما إلى تفوق مدرستنا وغالبا هي الأولى بين المدارس…
في البدايات لم يكن الأهالي يرغبون في تسجيل أولادهم في مدرستنا، لكن بعدما انتشرت أخبار نجاحاتنا المتكررة، صار الأهالي يتوسطون لنا حتى نقبل أولادهم عندنا، هذا ما جعلنا نتوسع ونبي مدرسة واسعة وتطورنا من مدرسة رياض أطفال، إلى مدرسة ابتدائية…إلى اعدادية، وهذه السنة إلى مدرسة ثانوية، وإن شاء الله في العام المدرسي القادم ستكون صفوفنا الثانوية في الخدمة
سأل فارس: ما هو سر نجاحكم هذا؟
قال مسعد: سر نجاحنا هو: سياسة مدرستنا، طلابنا لا يأتون إلى مدرسة أشبه ما تكون سجنا، بل يأتون إلى دار تسعدهم لا ترعبهم، نحن نوفر لهم أغلب سبل التسلية التي يحبونها، وهذه ترغبهم الحضور إلى دار تسعدهم، وبالتالي هم يعشقون المدرسة، حتى بعضهم يفضلون البقاء في المدرسة على الذهاب إلى منازلهم…
نحن نحب طلابنا محبة حقيقية، ونشاركهم أسرارهم الخاصة، ونجعلهم أصدقاء لنا. وعندما التلاميذ يثقون في معلميهم ويحبونهم، حينها يحبون دروسهم، نحن لا نطالبهم في حفظ الدروس، بل نجعلهم يفهمون ماذا يتعلمون، ولماذا يتعلمون؟ حينها لن ينسى التلميذ المعلومات التي تعلمها…لأنها ترسخ في فكره، وتصبح ملكا لثقافته وذاكرته، وبناء شخصيته…
تلامذتنا لا يحملون حقائب مليئة كتبا من البيت، إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى البيت، بينما نجد أغلب طلبة المدارس الأخرى يحملون الحقائب الثقيلة على ظهورهم…وأحيانا الحقائب التي يحملونها أكبر حجما من التلامذة أنفسهم…
طلابنا يدرسون في المدرسة، وينهون دروسهم ووظائفهم في المدرسة، تحت إشراف معلميهم…وبعدها لكل طالب خزانته الخاصة يضع فها حوائجه، ويركب باص المدرسة، ويعود إلى داره…حتى يعيش مع أهله، وأهله يتمتعون بأولادهم وقصصهم المسلية والرائعة.
كذلك عندنا في المدرسة نشاطات مختلفة، رياضية، ثقافية، فنية، مسرحية، والجميع مشتركون فيها كل حسب ميوله التي علينا نحن أن نعرف المجالات التي ينجح فيها التلميذ أو الطالب أكثر…
باختصار عنوان مدرستنا هو: المحبة، نطلب من المعلمين أن يعلموا الطلبة المحبة…والمعلم الذي لا يعرف كيف يحب الطلبة، نستبدله… المحبة والصداقة بين المعلم وتلاميذه، وبين التلاميذ أنفسهم، وظيفتنا قبل التعليم…
قال فارس: استمتعنا في زيارتكم وبأفكاركم العظيمة. والآن اسمحوا لنا بالانصراف.
قالت ديانا زوجة مسعد، لا هذا هو المستحيل، سوف نتناول وجبة الغذاء سوية.
هاتف مسعد سمير وقال له أرسلت لكما السيارة أنت وروزا كي تحضركما لشاركونا وجبة الغذاء الاعتذار مرفوض…
بيت مسعد فخم جداً، تحيطه حديقة واسعة مزروعة بالورود الشامية والياسمين، اشترته ماريا من أموالها التي جنتها من حفلات رقص الفلامنكو على مسارح أوروبا
والآن المدرسة تدر عليهم المال الوفير.
وجبة الغذاء كانت شهية وفخمة، وخاصة الموسيقى الناعمة التي كان يعزفها سادو على البيانو حتى يفرح الضيوف…
كانوا يحتسون القهوة قال مسعد: غدا صباحا سنرسل لكم باص المدرسة الكبير حتى نزور أجمل قصور العرب في الأندلس العظيمة، طالما هذه القصور ستكون مسرحاً لأعمالكم المستقبلية…بالفعل كتابات بلغة العرب، لغة القرآن الكريم بحاجة إلى ترجمات دقيقة…
قال سمير: ربما لاحقاً، غدا جميعكم مدعون للغذاء في المطعم الكبير، سنعلن خطوبتنا أنا وروزا
هتفوا جميعاً، مبارك، مبارك…
كتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء في الجزء السادس
تجدون الأجزاء السابقة في مجموعة رواياتي