أخبار عاجلة

لعلى أموت قريبًا… اعترافات قلب على أعتاب الرحيل

 

لعلى أموت قريبًا… اعترافات قلب على أعتاب الرحيل

 

 بقلم/ أيمن بحر

 

اسمع يا نيكاسيوس… قد يقترب الرحيل، وربما تكون هذه الكلمات آخر ما يبوح به القلب لنفسه قبل أن يطوي الصمت الصفحات. فالموت ليس سوى مرآةٍ صافية، تكشف أعماقنا بلا أقنعة، وتجعلنا نحصي أنفاسنا الأخيرة كما يحصي الغريب نقوده قبل أن يسلك طريقًا بلا عودة.

 

تعبتُ من الدوران في فلك هذه الحياة، ومن مطاردة ما لا يُمسك، ومن الانحناء تحت ثقل الأماني التي لم تتحقق. العمر كان سباقًا طويلًا أُنفِق فيه ركضي وعرقي، لأكتشف في النهاية أن خط الوصول ليس إلا سرابًا يتلاشى عند اللمس.

 

حين أقول: “لعلي أموت قريبًا” لا أطلب عزاءً ولا أعلن يأسًا، بل أفتح قلبي على حقيقةٍ كبرى: أن الموت ليس غريبًا ولا عدوًّا، بل هو الضيف الذي جلس صامتًا على العتبة منذ البداية، ينتظر أن يحنَّ الوقت ليدخل. وها أنا أتهيأ لاستقباله، لا بخوفٍ بل بخشوع مَن أدرك أن الموعد قد حان.

 

الإنسان حين يقترب من النهاية، يرى الأشياء على حقيقتها، فيدرك أن ما كان يظنه عظيمًا ليس إلا غبارًا، وأن ما كان يزهد فيه ربما كان هو الجوهرة المكنونة. أتذكر وجوه أحبتي، ضحكاتٍ ضاعت في الزحام، أحاديث قصيرة لم أعطها وقتها، دموعًا لم أمسحها، وأياديَ لم أُمسك بها طويلاً. هذه التفاصيل الصغيرة هي التي تبقى حيّة، لا القصور التي تُبنى ولا الألقاب التي تُنقش على الحجر.

 

لعلي أموت قريبًا، لكنني لا أحمل في قلبي إلا سلامًا… سلامَ مَن سامح كل من جرحه، وغفر لنفسه تقصيرها. سلامَ مَن لم يعد يتشبّث بما لا يُؤخذ معه، بل يحمل فقط أثر الحب الذي زرعه في قلوب الآخرين. فالحياة – مهما طالت – لا تُقاس بالسنوات، بل بالأثر الذي يتركه المرء في القلوب.

 

ولئن كنتُ سأرحل، فليكن رحيلي مثل غروبٍ هادئ، يذوب فيه الضوء في البحر بلا جلبة. لا أريد مراثيَ طويلة ولا دموعًا غزيرة، كل ما أرجوه أن يُقال عني: “لقد عاش صادقًا، ورحل راضيًا”.

 

قل لأكريفيوس: لا تنشغل بموتي، بل انشغل بحياتك أنت. سامح سريعًا، أحب بصدق، وابذل الخير حيثما استطعت، فذلك وحده ما يمنح الموت معنى، ويُحوّله من قطيعةٍ إلى عبور.

 

نعم، لعلي أموت قريبًا، لكن ما الموت في النهاية إلا بداية أخرى، لا يعلم سرّها إلا الذي خلق الحياة والموت.

شاهد أيضاً

لا شيء يحدث عبثاً.. فى كل قدر سر يمهّد الطريق لقدر آخر

لا شيء يحدث عبثاً.. فى كل قدر سر يمهّد الطريق لقدر آخر بقلم/أيمن بحر نحن …