أخبار عاجلة

قصة الأديب الكبير سمير المنزلاوي

قصة الأديب الكبير سمير المنزلاوي
مطوبس/ كفر الشيخ

قللت زفة فاطمة من سحر فيلم الزوجة الثانية، فالزواج للخلف أو الطلاق أو الموت يكون سريا لا يحس به فار الدار
ولا يحتفى بالعريس سوى مرة واحدة في العمر: اثنان يسندانه على الجانبين وهناك من يقف خلفه يقيه شقاوة العيال ومنهم من يمسح عرقه والملح المتساقط من فوق السطوح بالمنديل. البعض تأخذه الجلالة فيحمله بين ذراعيه فى آخر المطاف حتى السرير .

كنت أقترح في داخلي أن يزفوا الشخص كل عام بمناسبة عيد زواجه ليكسروا الملل و يشجعوا ظهور المواهب ويعطوا الثقة و السعادة. لم أجرؤ على البوح بهذا في مكان مثل عزبتنا، وظل حبيسا في أوراقي حتى حطم شلبي القاعدة.

كانت زفته الأولى منذ أسبوعين . مشى يتبختر وسط أصدقائه المملوءين بالغيرة، لا يكف عن الابتسام من أجل اللذة التي تنتظره في الدار، لذة يعترف بها الصغير و الكبير، فالبنت حمامة لهطة قشطة، عيناها ساهيتان يذوب فيهما مرح و مكر الدنيا و شعرها يسيح على ردفيها، غطيسا كأن الليل يختبئ فيه بالنهار ، الحاجة زبيده –أمه – عرفت كيف تختار، سار الغلمان حوله يرقصون و يغنون و قام آخرون باللعب فيه من الخلف و هو حق كالليلة الأولى لأمراء الإقطاع. ظل يتململ فيقبض الاثنان المحدقان به على يديه كالمخبرين المدربين!كانوا يغارون أيضا لأنه طلع من المدرسة و تركهم يستعدون لامتحان الثانوية العامة سعيدا بحمامة و بمحل الحلاقة و بتطليق الكتب السخيفة و كلما قابلهم يغمز بعينيه ويطلق ألفاظا نابية .

انتهت الليلة بأن حمله أحدهم إلى السرير و غنوا أمام الدار :

العروسه للعريس و الفرجه للمتاعيس

بعد أن أديت واجب التهنئة عاودني التفكير في فيلم الزوجة الثانية وفي اقتراحي القديم فقلت لنفسي: لن يهتم بك أحد ثانية يا شلبي، أعطوك حقك و خلاص! كيف غاب ذلك عن رائد الواقعية؟ في هذه الليلة جاءني صلاح أبو سيف في المنام راكبا في هودج تحيط به المزامير و كان بصحبته صلاح منصور و حسن البارودي و قال لي:

– لا داعي للفذلكة، أعرف كل ما تقول، لكن هناك ضرورات فنية.

لم تمض أيام حتى ذهب شعبان الخياط يطالب بفلوسه ، و قابلته الحاجة زبيده محاولة تأجيل الدفع : و النبي النقطة تأخرت ! لنا أكثر من ألف جنيه .

: يا حاجه أنا آخرى يوم الصباحية . من أين آكل ؟

: اصبر علينا يا شعبان .

: هل يصبر عيالي على الجوع ؟ أم يتوقف مدرسو الرياضة و الانجليزى عن القبض منى ؟

: يومان أو ثلاثة و تصلك فلوسك .

هنا لم يتحمل عمنا شلبي و طق في مخه أن يمسح بكرامة شعبان الأرض ، لأنه جعله لا يساوى نكله أمام حمامة ، المهم طلع من حجرته تهفف حوله رائحة الفرح و يداه حمراوان من أثر الحناء . استخدم أخشن نغمات صوته زاعقا و مشوحا في وجهه:

كفاية فضائح . فلوسك ستأخذها على البلغة .

العبارات الساخنة نزلت على شعبان فالتهب و زفر كل صمته و تعبه الطويل و تصلب قدميه :

تشتمني يا خرع ، لو أنت رجل حقيقي ادفع شقائي بدل أن تتقمع على حسابي بالصوف و السكروته و الصديرى الحرير!

حاول شلبي أن يمسك فيه، تدخل الناس و شدوه إلى دكانه يأكل بعضه، لم يعد شاعرا بنفسه و لا قادرا على تحريك الدواسة فجلس ساهما يرتفع صدره و ينخفض!

يوم الجمعة خرج شلبي مغتسلا معطرا تكاد الحته ا لصوف تأكل منه ، شمت النساء رائحته داخلة عليهن في الدور فخرجن ينظرن إلى الشباب الغض المتمايل كغصن لاعبه الهواء. كل واحدة قالت في سرها : عقبى لابني ، أشوفه عريس يملأ هدومه .

في الطريق إلى الجامع قابل زملاء الفصل ووقف معهم ، كانوا مصرين على جرجرته إلى الأعمال الخاصة التي يقوم بها ليلا . سحب نفسه و أسرع بعيدا و هو يقول : خليكم في الفيزيا يا أولاد ستين كلب !

ملأ خياشيم المصلين عطرا ، و جلس يستمع إلى الخطبة ، كان يتوق إلى الخروج لأن برام الزفر نضج ، بعد الغداء سيقفز كل السدود و سيجرب الطريقة الجديدة التي تعلمها من بسيونى الرملي و هو يحلق له آخر الليل!

أراد أن ينفذها ، إلا أن كلمات بسيونى رنت في أذنه :

-طريقة الساقية يا واد يا شلبي محتاجة عافية ، لازم تخبط قبلها برام معمر و تحبس بالشاي .

بمجرد أن قال الشيخ فتح الله السلام عليكم و رحمة الله ، طار فورا إلى الحذاء اللميع كما يطير العصفور حين يفتح القفص و دفع المتزاحمين على الباب حتى وجد نفسه في الباحة. كان شعبان واقفا في انتظاره ، نسى البرام و الساقية و وقف شعر رأسه العاري الذي فرقه من اليسار و جعله يبرق بالزيت الأصلي . اتجه ناحيته منوما كما يفعل القط أمام الفار ، و يبدو أن غريمه تدرب جيدا على الموقف ، فأمسك رقبته و دفعها إلى داخل فتحة الجلباب ثم ضغط عليها حتى نزل الجسم كله إلى الأرض و خرج الثوب في يده كأنه كان معلقا على حامل خشبي . طواه على ذراعه وا نصرف بخطوات واسعة . أما شلبي فوقف حائرا بالفانلة و الصديرى و اللباس و التف الناس حوله لا ينطقون . في هذه اللحظة رأيت صلاح أبو سيف خلف الكاميرا ، أشاح بوجهه عنى و صرخ في الواقفين ، فأحضروا مزامير و طبول و بدأت الزفة حارة صاخبة : امتثل شلبي مستردا شموخه المبعثرفيما أحدق به اثنان يسندانه و يمسحان عنه العرق ثم الملح الذي هطل مع الزغاريد من فوق السطوح ، ومارس الخلفيون حقهم و منعه المحدقان من الحركة و قطع الجميع المسافة في أكثر من ساعة و صلاح يجرى هنا و هناك، يظهر و يختفي كالقطار وسط المزارع ، الكاميرا تعلو و تهبط و تتلوى و تسقط ، كلما نظرت إليه يدير عينيه ، لما وصلت الزفة إلى الدار خرجت الحاجة زبيدة و حمامة تطلقان الزغاريد و قام أحدهم بحمله بين ذراعيه ثم ألقاه على السرير !

شاهد أيضاً

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني كتب : دكتور فوزي الحبال إحتفل السفير الإسباني بالكويت …