بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمدك اللهم حمدا ملء السماوات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء، وأشكرك وأستغفرك، وأشهد أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، ولا حول ولا قوة إلا بك، بك نحول، وبك نصول، وبك نقاتل، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبدك ورسولك الذي جاهد في الله حق جهاده، جاهد بسيفه ولسانه وسنانه، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أما بعد، قال الله تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا”
وقال أحد الحكماء من طلب الله بالصدق أعطاه مرآة يبصر فيها الحق والباطل، وقيل إن ربعي بن حراش لم يكذب كذبه قط، وكان له إبنان عاصيان على الحجاج، فطلبهما فلم يعثر عليهما، فقيل للحجاج إن أباهما لم يكذب كذبه قط، لو أرسلت إليه فسألته عنهما، فإستدعى أباهما، فقال أين أبناؤك؟ قال هما في البيت، فأستغرب الحجاج، وقال لأبيهما ما حملك على هذا، وأنا أريد قتلهما؟ فقال لقد كرهت أن ألقى الله تعالى بكذبه، فقال الحجاج قد عفونا عنهما بصدقك، وذاك والله الصدق الحق الذي يصفه الجنيد بقوله ” حقيقة الصدق أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب ” والصدق إنما يحسن إذا تعلق به نفع ولا يلحق ضرره بأحد، فمن المعلوم قبح الغيبة والنميمة والسعاية وإن كانتا صدقا، ولذلك قيل كفى بالسعاية والغيبة والنميمة ذما أن الصدق يقبح فيهما.
وقيل فمن على أثره؟ قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ” فحب الدنيا رأس كل خطيئة وحقيقة الزهد فيها ليس بالتبتل والإعراض بالكلية عن طيباتها، ولكن نجا من نجا من عباد الله الصالحين بأنهم جعلوا الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، وأيقنوا أنها مزرعة للآخرة، فأنفقوا أعمارهم وأموالهم في كل ما يقربهم لله تعالى، وأما طالب الدنيا لا يخلو من الحزن في حالين هما حزن على ما فاته كيف لم ينله، وحزن على ما ناله يخشى أن يسلبه، وإن أمن سلبه أيقن بتركه لغيره بعد موته، فهو مغموم ومحزون في جميع أحواله، وقال تعالى ” اعلموا أن الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”
ولقد كان نبي الله سليمان وداود عليهما السلام من أزهد زمانهما، وكانا لهما من المال والملك والنساء ما لهما، وكان الإمام على بن أبى طالب وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان رضـي الله عنهم من الزهاد، مع ما كان لهم من الأموال، وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد، وكان له رأس مال، وكان يقول لولا هو لتمندل بنا هؤلاء، أي بني أمية، وقيل لبعض العلماء ما خير المكاسب؟ قال خير مكاسب الدنيا طلب الحلال لزوال الحاجة، والأخذ منه للقوة على العبادة، وتقديم فضلة الزائد ليوم القيامة، وأما خير مكاسب الآخرة، فعلم معمول به نشرته، وعمل صالح قدمته، وسنه حسنة أحييتها، أسأل الله تعالى ان يحفظنا ويسلمنا وإياكم من كل شر، ويقينا شر الظالمين والمعتدين، وإن يهلك كل من يزرع الفتن والاحقاد بين المسلمين آمين يا رب العالمين.