أخبار عاجلة

فندق الجبل الأخضر

فندق الجبل الأخضر
قصة قصيرة
8 كانون ثاني 2022
وليد كان طالباً في الجامعة السورية في كلية الهندسة المعمارية بدمشق، قرر أن يزور أهله في اللاذقية في عطلة عيد، ركب الحافلة الكبيرة، صادف صبية جميلة بمثل عمره تشاركه المقعد المزدوج. قال للصبية: صباح الخير، ابتسمت ابتسامة لطيفة رداً على التحية، وجلس هو بمقعده بجانبها…
فتح الشاب (اللاب توب) وأخذ يرسم خطوطاً بدت مخططات بيوت…
الصبية، كانت تسرق النظر إلى شاشة اللاب توب، بين الحين والحين…
عند نقطة أمنية على الطريق، توقف الباص لبعض الوقت، نزل الشاب، وأحضر كأسين من القهوة، وقال للصبية الصباح يزداد فرحا، عندما نحتسي القهوة…
تشكرته الصبية، ويبدو إنها كانت تنتظر منه المبادرة الأولى، وها هي قد حصلت عليها…
سألته: هل حضرتك مهندس معماري؟
قال الشاب: لا، لكنني طالب في السنة الأخيرة… ودارت أحاديث حول الهندسة المعمارية، ودورها في تجميل المدن. ثم تطرقا في الحديث إلى مخالفات البناء العشوائية وتشويه البلد…
قال وليد: تبدأ المشكلة من وزير العدل، إذا كان شريفا تكون البلد في خير، أما إذا كان الوزير فاسدا فلا رجاء في إصلاح البلد.
الشرطي يحتاج إلى مراقب حتى لا يرتشي، والمراقب يحتاج إلى مراقب يراقبه، والآخر يحتاج إلى آخر وهكذا حتى تصل إلى الوزير، ولا أحد يحاسب الوزير غير رئيس القضاء الأعلى إذا كان هذا الأخير نظيفا…
بالاختصار إذا ضاعت الأخلاق، ضاعت الأمة، وضاع الوطن…
تحادثا، وضحكا، واستمتعا في الحديث، عرف وليد بان الصبية اسمها هند، وهي صاحبة محل للألبسة النسائية في اللاذقية، تتسوق أحيانا بضاعة لمحلها من دمشق…
ثم أخبرته، بانها تملك قطعة ارض في جبل اللاذقية، وترغب في اشادة بناء عليها، وطلبت منه أن يساعدها في الأمر كونه لا يزال في الجامعة وسيستفيد من الأفكار النيرة في الكلية.
الأرض كبيرة، منظمة، محددة ومحررة، اطلالة رائعة على الجبل الأخضر، والوديان الجميلة، وعلى البحر المتوسط لوحات رائعة مرسومة بريشة الخالق…
أخذ وليد الدراسة معه إلى الكلية في دمشق…
هند صارت تأتي بسيارتها إلى دمشق، تهاتف وليد وتطلب الاجتماع معه… حتى يتدارسا سير مشروع دار السكن في الجبل…
والواقع أضحت أحاديث مشروع البناء حجة تتحجج فيها هند لمقابلة وليد الذي أعجبها…
انتهت السنة الجامعية، وحان موعد مناقشة مشروع التخرج قام وليد بدعوة أهله ودعوة هند وأهلها…
تفاجأت هند بالرسومات الرائعة، لكن هذه رسومات لفندق خمس نجوم وليس لدار سكن كما هو متفق عليه.
المشروع أعجب اللجنة الفاحصة وتخرج وليد في الجامعة، وقام الجميع بتهنئته، وهند قبلته بحرارة، أفصحت فيها عن خفايا قلبها، ومنذ ذاك اليوم سرت حرارة الحب في كيانه…
سألته هند: أين هي الدار التي اوصيتك؟ أين مشروعي؟
قال وليد: أصحاب العقول الذكية، قالوا: استثمروا هذه الأرض سياحيا وهي تعطيكم كل سنة أرباحا تكفي لشراء دار سكن…
وقال: في البداية يكفي طابق واحد في المرحلة الأولى، ومن أرباحه تكملين بقية الطوابق…الآن تحصلين على قرض من المصرف بضمانة محلك التجاري، وملكية الأرض.
في حال عدم موافقتك، هذه مخططات ثانية كالتي تريدينها لدار سكن صيفي، وحديقة كبيرة محيطة بالدار حسب رغبتك…
بعد محادثات ودراسات ومراجعات في المصارف، وافقت هند على الفكرة، شريطة أن يشرف وليد بذاته على العمل ويكون هو شخصياً مدير الفندق.
هند في الحقية تريد أن تتمسك بالشاب المهندس الذي عشقته لحد الجنون…
عندما ارتفعت الدعائم الاسمنتية، الناس انبهرت بمخططات مشروع في هذا الموقع بإطلالته الرائعة المشرفة. وخاصة بعدما عرفوا بأن الطريق الدولي سيمر بجانبه الموقع.
أصحاب الأموال الكبيرة تهافتوا يودون شراء الفندق، أو حتى المشاركة فيه…
البعض كان يدفع لها اضعاف ثمن الأرض وكافة التكاليف التي صرفت…
هند كان جوابها الوحيد، راجعوا وليد هو مدير المشروع وهو صاحب القرار…
عرضوا على وليد مبالغ رشوة كبيرة، لقاء أن يقنع هند بالتنازل عن المشروع او حتى يصبحون شركاء فيه…
وليد شاب نظيف، صاحب مبادئ واخلاق عالية، كان يقول: لن اتنازل عن مبادئي، إذا تنازلت عنها مرة واحدة، سأتنازل في كل مرة، وسأخسر كرامتي وذاتي…وأصبح واحدا من الفاسدين.
أدركت هند وفاء وليد واخلاصه، فتحول الحب في قلبها إلى عشق وهاجس…
تم تدشين الطابق الأول للفندق، واسموه فندق الجبل الأخضر، بعد دعاية سياحية مركزة…
لم يتوقع أحد تلك الأرباح التي حققها المشروع… جميع غرف الفندق مشغولة ومحجوزة مسبقا…
لكن الذي اسعدهما أكثر، هو الحب الذي سكن قلبيهما وجعلهما يمتطيان الشهب، ويعانقان القمر…حب حقيقي سكن حياتهما…
وليد وهند تزوجا، باعت هند محلها في اللاذقية، وسكنا في الجناح الملكي في الفندق وهما يديران العمل…
خلال سنوات قليلة اكتمل بناء الفندق خمس نجوم ووضعوا فوق سطح المبنى العالي، ضوء كبير كاشف، أضحى نوره المشع منارة لركاب البحر من بعيد…
ثم حققوا دار سكن لهم في الجبل رائع الجمال. وأحد اسباب جماله، ضجيج اولادهما في حديقة المنزل ومسبحه… وكان سبب نجاح المشروع في الحقيقة هو أخلاق وليد الذي رفض الرشوات.
هند كتبت نصف المشروع باسم زوجها…

كتب القصة: عبده داود

شاهد أيضاً

هذا أنا

بقلم الصحفية / سماح عبدالغنى هذا أنا مدينة صاخبه تضج بك وكلما فاض الحنين إليك …