عواصم مصرية شهدت كتابة تاريخ الحضارات القديمة بـر رعمسيــس ..
أعاد اكتشافها : د عمرو شرف
نحاول أن ننشر تفاصيل عن الحضارة المصرية القديمة و من اهم مظاهرها تاريخ العواصم المصرية القديمة و التي يوضحها لنا احد اهم المتخصصين فيها الدكتور محمد رافت عباس الذي فتح صفحات التاريخ و أعاد اكتشافها معنا و أخبرنا عنها و التي تعد أحد أهم العواصم المصرية القديمة الفريدة فى شرق الدلتا ، و هي مدينة ” بر رعمسيس ” الخالدة عاصمة إمبراطورية الرعامسة ، والتى قد شيدها الملوك الأوائل للأسرة التاسعة عشرة ” سيتى الأول ” و” رمسيس الثانى ” ..
وفى هذا المقام أعود لطرح ذلك التساؤل التاريخى الهام ، حول مغزى الرعامسة الأوائل من إنشاء هذه العاصمة الشمالية ، والابتعاد بالبلاط الملكى عن مدينة طيبة العاصمة فى الجنوب ، والتى كانت مكانتها الدينية والتاريخية العظيمة لا تضاهى ، منذ أن كانت معقلا للمعبود آمون رع إله الإمبراطورية المصرية ، والتى قد خرج منها ملوك النصر والتحرير من دنس الغزاة الهكسوس وبناة الإمبراطورية المصرية فى الشرق الأدنى القديم ، لا سيما بعد بزوغ فجر هذه الأسرة الملكية الجديدة ، وأعنى بها الأسرة التاسعة عشرة ، بعد وقت قصير من انتهاء أزمة العمارنة التاريخية والعقائدية فى عهد الفرعون المهرطق ” إخناتون ” ..
حول تلك المسألة ، يعتقد الغالبية العظمى من المؤرخين وعلماء المصريات أن هذا القرار الفريد فى تشييد العاصمة الشمالية الجديدة فى شرق الدلتا ، يعود إلى رغبة الملوك الرعامسة الأوائل فى جعل مقرهم الملكى الجديد داخل المنطقة التى خرجوا منها والتى جاءت أصولهم منها .. كما يرى جانب كبير منهم أن هذا الأمر يعود إلى رؤية استراتيجية ثاقبة تهدف إلى جعل الإدارة المصرية قريبة من أملاك إمبراطوريتها الأسيوية فى كنعان ( فلسطين ) وسوريا ، خاصة أن الرعامسة الأوائل كانوا يخططون منذ بداية عهدهم إلى استرداد أملاك هذه الإمبراطورية فى سوريا ، والتى قد فقد جانب كبير منها خلال عهد العمارنة ..
والرأى عندنا وبعد سنوات من الدراسة للعديد من القطع الأثرية التى خرجت من هذه العاصمة المصرية الفريدة فى المتاحف العالمية ، أرى أنه كان هناك رؤية حضارية وتاريخية عميقة ومتفردة لدى الملكين العظيمين ” سيتى الأول ” و” رمسيس الثانى ” فى تشييد بر رعمسيس .. لقد هدف الرعامسة الأوائل إلى إعادة بناء الإمبراطورية المصرية على أسس حضارية جديدة ، وبسياسة إمبريالية فريدة ، يتم من خلالها دمج الثقافة المصرية بمختلف أقاليم الإمبراطورية الأسيوية فى سوريا وكنعان ( فلسطين ) فى كيان حضارى وثقافى موحد ، تكون بر رعمسيس عاصمة الإمبراطورية هى معقله الرئيس .. ومن ثم – وكما تدل آثار بر رعمسيس – فقد شيدت العاصمة المصرية كمدينة عالمية ، تواجدت فيها مراكز دينية وتجارية للجاليات الأجنبية المختلفة من الكنعانيين والسوريين والحيثيين والايجيين ، وعبدت على أرضها المعبودات المصرية والسورية والكنعانية جنبا إلى جنب .. وقد ساعد فى هذا أن منطقة شرق الدلتا كانت منذ عصر الانتقال الأول ممرا حضاريا وتجاريا للشعوب السامية ذات العلاقات التجارية والثقافية بمصر ، كما أن عاصمة الهكسوس ” أواريس ” قد شيدت فيها ( فى منطقة تل الضبعة بالشرقية ) إبان فترة الاحتلال الهكسوس لمصر والتى استمرت لأكثر من مائة عام ، والتى تخلف عنها الكثير من مظاهر التبادل والتأثير الحضارى بين المصريين والغزاة الأسيويين ..
ويمكننا القول أن من أبرز المظاهر الحضارية والإمبريالية للإمبراطورية المصرية طوال عهد الرعامسة ، بدءا من عهد الملك العظيم ” رمسيس الثانى ” ، قد تمثل فى انتشار مختلف جوانب الثقافة والعقائد الأسيوية ( السورية والكنعانية ) فى مصر ، حتى أن ” رمسيس الثانى ” قد أطلق على ابنته الكبرى الأميرة والملكة ” بنت عنات ” هذا الاسم نسبة إلى الربة السورية ” عنات ” ، وقد شغلت مركز الزوجة الملكية العظمى فى بلاط أبيها لفترة ما .. هذا إلى جانب دخول الكثير من المفردات الأسيوية إلى اللغة المصرية ، مثل كلمة ” مركبت ” التى تشير إلى العربة ، و” مجدول ” التى تشير إلى الحصن أو القلعة ، وغيرهم الكثير .. وهكذا تجلت عالمية الحضارة المصرية فى أزهى صورها خلال عهد الرعامسة !