كتبت: منى العساسي
استبعاد الفلسفة يكشف عن توجه واسع لإعادة تشكيل العقل الجمعي وفق منطق نفعي، حيث ينشأ الطالب في بيئة تعليمية تفتقر إلى التدريب على التساؤل والتحليل، فيجد نفسه محصورًا في معرفة سطحية أو مندمجًا في متطلبات سوق عمل يفرض لغة الأرقام والإنتاج.
(نيتشه) رأى في الفلسفة معركة مع الثقل الميت للقيم السائدة، ودعا إلى إعادة اختراع الإنسان لنفسه عبر إرادة القوة، أي القدرة على تحويل الفكر إلى طاقة خلاقة. (فوكو) بدوره كشف عن كيفية توظيف السلطة للفكر والمعرفة من أجل تشكيل العقول وضبط الأجساد، مبرزًا أن أي نظام تعليمي يعيد إنتاج السيطرة من خلال ما يدرس وما يستبعد.
المجتمع الذي يتراجع فيه حضور الفلسفة يخسر أجيالًا كانت قادرة على تفكيك وتحليل الواقع ومساءلة الموروثات. ينعكس هذا التراجع على الصحافة والإعلام والفنون، حيث يسود الخطاب السريع الذي يكتفي بالوصف. كما تبرز قيمة الفلسفة والفكر، في أعمال (ديستويفسكي) التي جسدت الفلسفة عبر الرواية، محولة الأسئلة الكبرى إلى مصائر بشرية نابضة بالصراع والتوتر. العلوم الإنسانية بكل فروعها، والفنون والموسيقى، تمنح الإنسان قدرة على بناء وعي نقدي وجمالي، وتفتح أمامه لغات متعددة للتعبير عن الذات والمعنى في العالم. غياب هذا البعد يترك فراغًا كبيرًا، ويفسح الطريق أمام أنماط تفكير آلية تقيس قيمة الفرد وفق معايير جامدة، بينما تتقلص مساحة النقد الحر لصالح الامتثال لقوالب الإنتاج الجاهزة.
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 