أخبار عاجلة

ساعة مع غزل العباس بن الأحنف الشاعر العباسي العراقي 

ساعة مع غزل العباس بن الأحنف الشاعر العباسي العراقي 
بقلم : السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر 
و هذا الأحنف من عشاق العرب المتيمين الذي أحب (فوز ) محبوبته و كتب فيها قصائده التي تعد من عيون الشعر العربي في الغزل ٠٠
——
وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى
ولا خير فيمن لا يحب ويعشق ٠
٠٠٠٠٠
كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا
وَأَضمَرتُ في القَلبِ شَوقاً عَجيبا
وَلَم يَكُ هَجريهِ عَن بِغضَةٍ وَلَكِن خَشيتُ عَلَيهِ العُيوبا ٠
٠٠٠٠٠
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ ٠
٠٠٠٠٠
صَحائِفُ عِندي لِلعِتابِ طَوَيتُها
سَتُنشَرُ يَوماً وَالعِتابُ يَطولُ
سَأَسكُتُ ما لَم يَجمَعِ اللَهُ بَينَنا
فَإِن نَلتَقي يَوماً فَسَوفَ أَقولُ
( العباس بن الأحنف )
٠٠٠٠٠٠٠
أجل لقد عرف أدبنا العربي منذ النشأة الغنائية الأولى و أسواق الشعر ( فن الغزل ) غزل حسي كان في العصر الجاهلي ، و غزل معنوي كان في العصر الإسلامي و الذي هذب ذوقه من خلال منظومة الأخلاق و تعاليمه ٠٠
و تبارى الشعراء في هذا الغرض بل و افتتحت معظم القصائد بمدخل غزل تمهيدا لجوهر و مناسبة القصيدة و موضوع وحدتها البنائية في خصائص فنية تدعم العملية الإبداعية فكثُر شعراء الغزل من عشاق العرب وقصصهم التي تملأ بطون الكتب و التي نطالعها اليوم هكذا ٠٠
منذ أن افتتح ديوان العرب و فضل الغزل بامرؤ القيس ثم توالت السلسة من العشاق عنتر عبلة و لمرقش الأكبر “من بكر” عشق ابنه عمه أسماء.
و هند و ابن عجلان و عروة بن حزام شعره في عفراء بنت عمه.
وذو الرمة و مية و جميل و بثينة ٠٠٠
و مجنون ليلى و صريع الغواني و الأحنف و الأحوص ، و غيرهم كثيرون ٠٠
حتى عصرنا الحديث نجد نزار قباني الذي لُقب ب ( شاعر المرأة ) و الكل تشببه بالمرأة المحبوبة حقيقة أو رمزا ٠٠
و نعود إلى فارسنا العاشق المتيم الصب ( عباس بن الأحنف ) لنقضي معه ساعة تحت ظلال الغزل الوارف ٠
شاعر رقيق الغزل
* نبذة عنه :
========
هو الفضل العباس بن الأحنف الحنفي اليمامي النجدي، شاعر عربي عباسي وُلِد في اليمامة بِنجد وعِندما مات والده انتقل من نجد إلى بغداد ونشأ بِها وعاش مُتنقلاً ما بين بغداد وخراسان ٠
قال عنه البحتري: إنه أغزل الناس أبو الفضل عربي شريف النسب، أصله من بني حنيفة، ولكن أهله يقيمون بالبصرة.
نشأ في بغداد وفيها اشتهر. اتصل بهارون الرشيد ونال عنده حظوة ٠
خالف الشعراء في طريقتهم فلم يتكسب بالشعر، وكان أكثر شعره بالغزل (شعر) والنسيب والوصف، ولم يتجاوزه إلى المديح والهجاء، وأشاد به المبرد في كتاب الروضة وفضله على نظرائه حين قال:
وكان العباس من الظرفاء، ولم يكن من الخلعاء، وكان غزلا ولم يكن فاسقا، وكان ظاهر النعمة ملوكي المذهب، شديد الترف، وذلك بين في شعره، وكان قصده الغزل وشغله النسيب، وكان حلو مقبولا غزلا غزير الفكر واسع الكلام كثير التصرف في الغزل وحده ولم يكن هجاءً ولا مداحا ٠
و نقل ابن ذكوان :
«سمعت إبراهيم بن العباس يصف -ابن الأحنف- فيقول: كان والله ممن إذا تكلم لم يحب سامعه أن يسكت، وكان فصيحا جميلا ظريف اللسان، لو شئت أن تقول كلامه كله شعر لقلت».
فوز محبوبة العباس بن الأحنف :
————————-
وقد أحب العباس بن الأحنف فتاة سماها ( فوز ) لأنها كانت كثيرة الفوز بالسباقات والمنافسات لكي لا يصرح باسمها الحقيقي ٠
عاتكة الخزرجي في رسالتها للدكتوراه عن العباس, وأوضحت أنها عُليّة بنت الهدى وأخت هارون الرشيد, فكنى عنها العباس باسْم (فوز).
ولما سئل إبراهيم الموصلي – إمام المغنين في زمانه – عن سبب غنائه لكثير من شعر العباس, قال:
هذا والله الكلام الحسن المعنى, السهل المورد, القريب المتناول, السهلُ اللفظ, العذبُ المُسْتمع).
و نرى هنا أن مجمل شعره غنائي لكافة خصائصه الفنية ذات لغة رقيقة مؤثرة في الاحاسيس و من ثم تنعكس على الواقع نظرة إنصاف و موضوعية ٠٠
مع قصيدة عباس بن الأحنف تحت عنوان ( ألم تعلمي يا فوز ) حيث يخاطب فيها محبوبته :
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ
وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ
أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ
و من ثم يأمل الشاعر من حبيبته فوز أن تبادله الحب الذي يبادله إيّاها ولكنّها لم تفعل ذلك، حيث كان الصدود هو الجواب على محبته لها وهو الذي أمضى عمره يبكي من أجلها في يثرب وفي غير يثرب.
فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ ٠
* من شعره :
—————-
كتمتُ الهوى وهجرتُ الحبيبا يقول فيها:
كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا
وَأَضمَرتُ في القَلبِ شَوقاً عَجيبا
وَلَم يَكُ هَجريهِ عَن بِغضَةٍ وَلَكِن خَشيتُ عَلَيهِ العُيوبا
سَأَرعى وَأَكتُمُ أَسرارَهُ وَأَحفَظُ ما عِشتُ مِنهُ المَغيبا
فَكَم باسِطينَ إِلى وَصلِنا أَكُفَّهُمُ لَم يَنالوا نَصيبا
فَيا مَن رَضيتُ بِما قَد لَقي تُ مِن حُبِّهِ مُخطِئاً أَو مُصيبا
وَيا مَن دَعاني إِلَيهِ الهَوى فَلَبَّيتُ لَمّا دَعاني مُجيبا
وَيا مَن تَعَلَّقتُهُ ناشِئاً فَشِبتُ وَما آنَ لي أَن أَشيبا لَعَمري لَقَد كَذَبَ الزاعِمو نَ أَنَّ القُلوبَ تُجازي القُلوبا
وَلَو كانَ حَقّاً كَما يَزعُمونَ لَما كانَ يَجفو حَبيبٌ حَبيبا
وَكَيفَ يَكونُ كَما أَشتَهي حَبيبٌ يَرى حَسَناتي ذُنوبا وَلَم أَرَ مِثلَكِ في العالَمي نَ نِصفاً
كَثيباً وَنِصفاً قَضيبا وَأَنَّكِ لَو تَطِئينَ التُرابَ لَزِدتِ التُرابَ عَلى الطيبِ طيبا
***
قدْ كنتُ أرجو وَصلكم يقول فيها:
قَد كُنتُ أَرجو وَصلَكُم فَظَلَلتُ مُنقَطِعَ الرَجاءِ أ َنتِ الَّتي وَكَّلتِ عَي نِيَ بالسُهادِ وَبِالبُكاءِ
إِنَّ الهَوى لَو كانَ يَنـ ـفُذُ فيهِ حُكمي أَو قَضائِي
لَطَلَبتُهُ وَجَمَعتُهُ مِن كُلِّ أَرضٍ أَو سَماءِ فَقَسَمتُهُ بَيني وَبَي نَ حَبيبِ نَفسي بِالسَواءِ
فَنَعيشَ ما عِشنا عَلى مَحضِ المَوَدَةِ وَالصَفاءِ
حَتّى إِذا مُتنا جَمي عاً وَالأُمورُ إِلى فَناءِ ماتَ الهَوى مِن بَعدِنا أَو عاشَ في أَهلِ الوَفاءِ ٠
***
و يقول أيضا :
يا فَوزُ ما ضَرَّ مَن أَمسى وَأَنتِ لَهُ
أَن لا يَفوزَ بِدُنيا آلِ عَبّاسِ
لَو يَقسِمُ اللَهُ جُزءاً مِن مَحاسِنِها
في الناسِ طُرّاً لَتَمَّ الحُسنُ في الناسِ
أَبصَرتُ شَيباً بِمَولاها فَوا عَجَبا
لَمِن يَراها وَيَبدو الشَيبُ في الراسِ ٠
و يقول في قصيدة يخاطب فيها محبوبة فوز متسائلا بعنوان ( أزين العالمين أجيبي ٠٠؟! ) :
أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ
لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ
تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني
لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت
فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم
وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ
تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ
نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم
فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم
وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم
إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ
فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم
فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
وَأَبيَضَ سَبّاقٍ طَويلٍ نِجادُهُ
أَشَمَّ خَصيبِ الراحَتَينِ وَهوبِ
أَنافَ بِضَبعَيهِ إِلى فَرعِ هاشِمٍ
نَجيبٌ نَماهُ ماجِدٌ لِنَجيبِ
لَحاني فَلَمّا شامَ بَرقي وَأَمطَرَت
جُفوني بَكى لي موجَعاً لِكُروبي
فَقُلتُ أَعَبد اللَهُ أَسعَدتَ ذا هَوىً
يُحاوِلُ قَلباً مُبتَلاً بِنُكوبِ
سَأَسقيكَ نَدماني بِكَأسٍ مِزاجُها
أَفانينُ دَمعٍ مُسبَلٍ وَسَروبِ
أَلَم تَرَ أَنَّ الحُبَّ أَخلَقَ جِدَّتي
وَشَيَّبَ رَأسي قَبلَ حينِ مَشيبي
أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى
أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ
تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا
فَيوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ
كَأَن لَم تَكُن فَوزٌ لِأَهلِكَ جارَةً
بِأَكنافِ شَطٍّ أَو تَكُن بِنَسيبِ
أَقولُ وَداري بِالعِراقِ وَدارُها
حِجازيَّةٌ في حَرَّةٍ وَسُهوبِ
وَكُلُّ قَريبِ الدارِ لا بُدَ مَرَّةً
سَيُصبِحُ يَوماً وَهوَ غَيرُ قَريبِ
سَقى مَنزِلاً بَينَ العَقيقِ وَواقِمٍ
إِلى كُلِّ أُطمٍ بِالحِجازِ وَلوبِ
أَجَشُّ هَزيمُ الرَعدِ دانٍ رَبابُهُ
يَجودُ بِسُقيا شَمأَلٍ وَجَنوبِ
أَزوّارَ بَيت اللَهَ مُرّوا بِيَثرِبٍ
لِحاجَةِ مَتبولِ الفُؤادِ كَئيبِ ٠
و أخيرا بعد هذا العرض المطول و المشوق لشاعر عاشق متيم من عشاق العرب له باع في الغزل وقد أحب محبوبته ( فوز ) و كتب فيها خلاصة تجربته الشعرية و صور فيها تباريح الهوى و الجوى قلائد من عيون الغزل العباسي تتذوق جمال كلماته الرومانسية في صدق مؤثر عايشه و ظل يتناقل بيننا حتى عصرنا المعاصر و قد أفاضت الدراسات الأدبية حول شاعرية العباس بن الأحنف الذي لا يُذكر الغزل إلا و هو متربعا على عرشه بين ديوان شعرنا العربي من العصر العباسي بروح واقعنا المعاصر ٠٠
و في النهاية نتمنى أن نكون قدمنا ملامح من حياة الشعراء العشاق المتمين من قصص العرب في هذا الغرض المحبب لدى كل متذوق و متخصص معا ٠

شاهد أيضاً

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد حوار: د.هناء الصاحب …