(سارتجي بارتمان) أفكار بصوت
زينب كاظم
سارتجي بارتمان
ولدت سارتجي بارتمان في جنوب أفريقيا سنة (١٧٨٩م) في إحدى القبائل العربية المعروفة بإسم (خوي خوي ) وقبائل( الخوي خوي )
يعتقد أنهم من أول القبائل الذين سكنوا جنوب أفريقيا وكان أهل (سارتجي ) يعملون بتربية المواشي ،توفيت والدة سارتجي وهي بعمر سنتين فقط ووالدها قتل خلال غارة من المستعمر الهولندي على قبيلتهم لأنه كانت قبيلة (الخوي خوي ) في صراعات مستمرة مع المستعمر الهولندي وكان أسرى هالصراعات من الأفارقة يأخذونهم الهولنديين عندهم ويعملون في مزارعهم أي كانوا يستعبدونهم وعندما بلغ عمر سارتجي( ١٦سنة ) قتل خطيبها فبيعت إلى تاجر هولندي اسمه بيتر وليم سيزر فأخذها إلى كيب تاون فرأها أخيه هندريك فأخذها وعملت عنده كخادمة وظلت تعمل كخادمة عند الهولنديين لغاية العشرين من عمرها واثناء فترة عملها عند هندريك لفتت سارة انتباه نظر صديقه وليم دالوب والذي هو جراح بريطاني وما لفت ليس لون بشرتها أولون عينيها أو طريقة كلامها بل ما لفته شئ بعيد عن ذلك تماما وما لفته بالضبط هو حجم مؤخرتها الكبير جدا وهذا الأمر غريب جدا أنه ترك كل ما في تلك المرأة من صفات شكلية وراح إلى حجم المؤخرة ،ان ما لفت انتباه هذا الدكتور صفة مشهورات بها قبيلة الخوي خوي وهذا الجراح البريطاني ذهب إلى سارتجي وقال لها تعالي معي إلى بريطانيا وهناك ستكوني ثرية ومشهورة جدا وستكونين موضوع مهم جدا لعلم البحث و التشريح والسبب الوحيد لذلك هو حجم مؤخرتها الكبير جدا ومن الغريب أن سارتجي وافقت على هذا العرض فوقعت على عقد على أنها ستذهب مع وليم وهندريك إلى انكلترا وستعمل كخادمة هناك وستكون موضوع للبحث وكتب بالعقد كذلك أنهم سيستخدمونها كذلك لأغراض ترفيهية وأنهم سيسمحوا لها أن ترجع مدينتها بعد خمس سنوات لكن هناك ملاحظة مهمة أن سارتجي كانت أمية لا تعرف القراءة والكتابة فالسؤال هنا كيف وقعت على ذلك العقد وعلى أي أساس وقعته وكيف استطاعت قراءة ذلك العقد علما أنه أحيانا حتى المتعلمين لا ينتبهوا للكثير من الأمور عند توقيعهم للكثير من العقود فكيف لفتاة أمية توقع على بنود عقد لمدة خمس سنوات !لذلك واضح جدا أنهم خدعوها بذلك وأثناء رحلة بحثنا في تلك القصة وجدنا رواية تقول أنه عندما فاوض دانلوب وهندريك سارتجي ووعدوها أنها ستكون غنية ومشهورة سمح لها اللورد كاليدون بالسفر واللورد كاليدون هو محافظ المنطقة التي تعيش بها سارتجي وبعد ذلك ندم لأنه سمح لها بالسفر بعدما عرف الغرض الأساسي من تلك الرحلة فمن المتوقع أن كاليدون هو من باع سارتجي لهم وسهل لهم ذلك الأمر وفي عام (١٩١٠م)وصلت سارتجي إلى لندن وكان عمرها آنذاك (٢١عام )وسيتوقع القاريء أن سارتجي عملت كخادمة هناك لكنها لم تعمل خادمة ابدا بل عملت في سيرك بيكاديللي وكانوا يقدمون عرض هوتنتوت فينوس وهوتنتوت هو اللفظ الذي كان يطلقونه الهولنديين على بعض القبائل الأفريقية وعملت تحت إشراف مدرب الحيوانات المفترسة وكانوا يضعونها في قفص طوله متر ونصف المتر وهي شبه عارية ويجعلون الناس يرونها مقابل (٢شيلين )
وهذا التعامل ينم على درجة عالية من قلة الرحمة والإنسانية وكانوا يسمحون للناس أن يلمسوا مؤخرتها مقابل مبلغ إضافي اي يزيدون المبلغ قليلا مقابل ذلك ،كل ذلك وهم يدعون أنهم لا يريدون عنصرية وأنهم ضدها تماما !وبالحقيقة هم من أسس للعنصرية .
عالعموم سارتجي جبرتها الظروف في العمل داخل السيرك وكانوا يجبرونها كذلك أنها تقدم عروض تظهر فيها بشكل حيوان مفترس أي حالها حال الاسود والنمور في السيرك فتارة يأمرونها بالجلوس وتارة تقف أي يتحكمون بتحريكها حالها حال الحيوانات وكما أشرنا أنهم كانوا يحبسونها في قفص ويجبرونها كذلك بالرقص للناس وللعلم أنهم كانوا قد وعدوها أن تأخذ نصف المبلغ الذي يأتيهم من العرض لكنها لم تحصل منهم على أي شيء ،أي أنهم كانوا يعاملونها معاملة الحيوانات ومعاملة خالية من الرحمة والإنسانية وكذلك لا يعطونها نقودها ،وتقول الرواية التي في قصتها أنها كانت تصاب بالارهاق والتعب وكانت تعاني بآلام في بلعومها وركبتها وكانوا لا يهمهم ذلك ابدا وكانوا يجبرونها على مواصلة العرض رغم المرض والتعب ،وقد كتب أحد الصحفيين في ذلك الوقت أن العرض كان يتم على خشبة مرتفعة حوالي ثلاثة أقدام عن الأرض وكانت سارتجي داخل قفص مفتوح أي أن الناس كلها تتمكن من رؤيتها وكانت تؤمر بالجلوس والمشي كحيوان مقيد لا كإنسان وكل ذلك هو كلام الصحفي والأسوء من ذلك يكمل الصحفي كلامه أن سارتجي إذا رفضت أنها تظهر على المسرح أو رفضت أن تنفذ كلام مدربها كانوا يغلقون الستارة ويذهب المدرب لتأديبها اي يضربها بقوة وبعدها ترفع الستارة فتعود مطيعة خاضعة للأوامر وهذا نص الكلام الذي كتبه الصحفي ،وهنا أخذت أخبار سارتجي تنتشر وأكثر الناس صاروا يسمعون عنها فالكثير من الناس ممن كانت في قلوبهم إنسانية في أوربا وتحديدا في هولندا أنشأؤا الرابطة الأفريقية وطالبوا بإطلاق سراح سارتجي وصارت قضية وجاؤا بسارتجي أمام القاضي لكن الغريب بالموضوع أن سارتجي قالت أنني اقوم بكل ذلك بمحض إرادتي بلا إجبار أو ضغوط علي وأنني أخذ نصيبي من الدخل فالجميع صدم وقتها والى اليوم هناك الكثير من الناس يقولون أن هناك ظروف مجهولة جعلت سارتجي تقول هذا الكلام أمام المحكمة ،وأول شخص ثار تجاه قضيتها كان من جامايكا وكان اسمه روبرت ويدربيرن وهذا الإنسان كان له تأريخ طويل بالكفاح حتى أنه تم اعتقاله أكثر من مرة لأنه طالب أكثر من مرة بحق العبيد وكان يدفعهم أن يثوروا على أسيادهم البيض ويقتلونهم ومن ثم لا يتعرضوا للمحاكمة ،لكن بعد كل تلك الأحداث المثيرة والكثيرة وكل تلك المحاكمات وجد البريطانيين أنفسهم أنهم مضطرين أن يمنعوا سارة أنها تظهر بالسيرك مرة أخرى وكل ذلك كان بسبب المطالبات والبلبلة التي قام بها الثائر روبرت لكن حجة المحكمة البريطانية كانت أن سارتجي كانت ملتزمة بعقد مع دانلوب وواجبها تنفيذ ذلك العقد فاستمرت بالعمل في لندن لمدة أربع سنوات وبعدها نقلت إلى باريس لغرض العمل في سيرك وأيضا تحت أمر مدرب الحيوانات المفترسة وكانوا يعرضونها للناس من الساعة الحادية عشر صباحا لغاية الساعة العاشرة مساء وأحيانا كانوا يأخذونها لعروض خاصة للأثرياء ويستخدمونها في حفلاتهم ومناسباتهم لغرض المتعة والترفيه وليتخيل القارئ أنه إنسان يأتون به في حفلاتهم ليستأنسوا فيه !لا يوجد أسوأ وابشع من هكذا تعامل ،أن نظرة الفرنسيين كانت تختلف عن نظرة الإنجليز لها فالفرنسيين كانوا يعتبرونها شيئا مثيرا للغرائز الجنسية والشهوات المنحرفة ،اما الإنجليز كانوا يعتبرونها حيوانا غريبا مثيرا للدهشة والاستغراب ،يعني هذه نظرتهم لإنسان حالهم حاله وهناك من الناس المعمي على عيونهم يقولون إن الأجانب أصحاب رحمة وإنسانية بل حتى العنصرية التي دوما يصدرون للناس انهم يحاربونها حاليا كانوا هم السبب فيها لكن ذلك يحتاج إلى انسان ذي نظرة عميقة ويفهم الأمور على حقيقتها كما هي ولا يصدق كلامهم الذي هو مجرد كلام بعيد عن الواقع ،في فرنسا درس الكثير من العلماء التشريحيين جسم سارة على أنه ظاهرة وكان على رأسهم البارون جورج كوفيه الذي هو الجراح الخاص بنابليون وعلى هذا الأساس تم نشر أكثر من دراسة مزورة وكانت تلك الدراسات تقول أن أجسام الأفارقة مشابهة لأجسام القردة وأن الجنس الأوربي هو الجنس السامي ،تقول الروايات الخاصة بقصة سارنجي أنها استغلت كذلك بامور أخرى مثلا العمل بالدعارة وفي أواخر أيامها صارت تشرب الخمر بصورة مفرطة بسبب وضعها ولكي تنسى وتهرب من الذل والإهانة الذي كانت تتعرض لهما .
توفيت سارنجي وهي وحيدة وحزينة في سنة (١٨١٦م )من غير أي أحد حزن أو بكي وبلا مأتم وتوفيت بسبب مرض وهذا المرض كان مجهولا وغير معروفا فهناك من الناس من قال أنها توفيت بسبب التهاب رؤي وهناك من الناس قالوا أن مرض الجدري هو ما قضى عليها ،ولم تنتهي رحلة آلامها بموتها بل تعذبت حتى وهي ميتة فحتى بعد وفاتها تعرضت جثتها للإهانة فبعد مرور أقل من ٢٤ ساعة على وفاتها تم تشييعها من قبل عالم التشريح كوفييه فأنتزع منها المخ وبعض الأجزاء الحساسة وبعد ذلك احتفظ بهيكلها العظمي كي يصنع منه قالب للجسم بعد ذلك تم عرض رفاة سارتجي في متحف الإنسان في باريس وفي عام (١٩٧٤م )رفعوا رفاتها من متحف باريس ووضعوه في مخزن وهناك تم نسيانها أي أنهم لم يكرمونها حتى بالدفن لكن المجتمع الإفريقي لم ينسى سارنجي وكانت هناك أكثر من محاولة كي يسترجعوا رفاتها لكن أول محاولة جادة كانت سنة ١٩٩٤م عندما مسك نيلسون مانديلا زمام الحكم أجرى محادثات مع الحكومة الفرنسية وطالبهم بإعادة رفاة سارتجي وأخذت تلك المحادثات مدة طويلة جدا إذ أنها بدأت عام ١٩٩٤ م وحتى السادس من مارس عام ٢٠٠٢م يعني بلغت المدة حوالي ثمان سنوات حتى تم أخيرا السماح لرفاة سارنجي الرجوع لوطنها وقال وزير الأبحاث الفرنسي آنذاك (فرنسا تريد أن تعيد الكرامة لسارنجي باترمان لأنها اذلت كامرأة واضطهدت كأفريقية) وكأنما يريد التهرب مما فعلوا هم بهذه الطريقة ،وقال السفير الإفريقي في جنوب فرنسا بطريقة جافة جدا وهم يستحقونها بكل تأكيد( ستبدأ سارة رحلتها الأخيرة عائدة للوطن عائدة إلى جنوب أفريقيا الحر الديمقراطي حيث لا توجد هناك تفرقة بين الجنسين أو بين الشعوب وأنها رمز لحاجتنا القومية لنواجه ماضينا ونعيد الكرامة لكل مواطنينا )وهو يقصد أنكم أي الفرنسيين أنتم من يفرق بين البشر وليس الأفريقيين وأننا ألأفضل منكم .
وبعد مئتي عام من الغربة والأهانة عادت سارنجي إلى بلدها الأم وعادت إلى قريتها غاموت وهو المكان الذي ولدت فيه وتم دفن رفاتها وهو مغطى بعلم جنوب أفريقيا وصارت رمزا لهم وكان حفل تأبينها في التاسع من أغسطس سنة ٢٠٠٢م والذي صادف يوم المرأة العالمي ،نحن هنا لا نعرف كيف تسمي هذه الشعوب نفسها بالمتطورة كيف تفكر وهي كانت ولا زالت عنصرية .