” دمعة طفل تقتلني “
بقلم طارق غريب
كأن العالم كله يصمت لحظة سقوطها
وكأن السماء تحني رأسها احتراماً
لذلك الوجع البريء الذي لا يعرف أن يخفي نفسه
لا شيء يشبه دمعة الطفل
لا في صدقها ولا في حدتها
ولا في قدرتها على فتح جرح في صدر رجل
ظن أنه تعلم كيف يقسو كي يحمي نفسه
أنا طارق :
حين أرى تلك الدمعة ، أشعر أنني أرتطم بجدار الحقيقة
أن الضعف ليس عيباً ، وأن البراءة ليست مرحلة
بل وطن ضاع من الكبار
وبقي الأطفال وحدهم يحملون مفاتيحه.
تقتلني دمعة الطفل لأنني أعرف أنها لا تكذب
لا تتصنع ، لا تبالغ
إنها تأتي من عمق صغير
لكنه أصدق ألف مرة من اتساع هذا العالم الذي امتلأ بالتمويه
تقتلني لأنها تذكرني بما فقدته أنا
وبما حاولت الأيام أن تنتزعه من قلبي
دهشتي الأولى و رعشة الاكتشاف
نقاء اللحظة قبل أن تتعلم الكلمات أن تصبح دروعاً.
دمعة طفل واحدة تكفي لتعيد ترتيب الكون داخل رجل مثلي
تكفي لتوقظ الحيوان النائم في داخلي
ذاك الذي يريد أن يحمي ، وأن يحتضن
وأن يصرخ في وجه الزمن :
‘ اتركوا الصغار وشأنهم
لا تجعلوا العالم يسرق منهم ما سرقه مني ‘
فحين تسقط دمعة طفل أمامي
أشعر أنها تسقط في داخلي أنا
وتشق طريقاً في القلب لا يلتئم بسهولة
لا لأنها تحزنني فقط
بل لأنها تذكرني أن الإنسان مهما كبر
يبقى طفلاً يبحث عن حضن يليق به
أفكر كثيراً.
ما الذي يجعل دمعة الطفل
أكثر قسوة على الروح من دموع الكبار ؟
ربما لأن الطفل لا يعرف لعبة الأقنعة
ولا يملك رفاهية إخفاء الألم أو تزيينه
دمعته ليست خطاباً ولا احتجاجاً ولا وسيلة ضغط
إنها ترجمة نقية لحقيقة واحدة :
‘ أن الكائن الصغير شعر بأن العالم لم يكن رحيماً بما يكفي ‘
وأنا حين أرى ذلك الوميض المبلل على خد طفل
أرى الإنسان في شكله الأول ، قبل أن يتعلم الحذر
وقبل أن يدخل في مفاوضات طويلة مع الحياة
أرى نسخة الإنسان التي كان يجب
أن نحافظ عليها جميعاً ولم نستطع.
هنا أفهم أن دمعة الطفل ليست حدثاً عابراً
إنها سؤال فلسفي كامل :
كيف يمكن للعالم أن يكون بحجمه الهائل
بقوته ، بقسوته ، ثم يعجزعن حماية أصغر مخلوق فيه ؟
كيف يمكن للإنسان أن يدعي النضج
بينما أبسط وجع لطفل قادر على شقّه نصفين ؟
وكلما فكرت أكثر ، أدركت أن دمعة الطفل
هي ميزان أخلاقي للكون
إن مرت ولا يهتز قلبك
فهناك شيء انكسر فيك دون أن تدري
وإن هزتك حتى الألم
فاعرف أنك ما زلت حياً من الداخل
مهما ادّعيت الصلابة.
أحياناً أشعر أن دمعة الطفل ليست اختباراً للعطف
بل اختبار لمدى إنسانيتنا ، اختبار للضوء الباقي فينا
ذاك الذي نحاول الحفاظ عليه وسط عتمات العالم
وكلما اقتربت من ذلك الضوء ، كلما أدركت حقيقة لا تُكذّب :
إن أجمل ما في الإنسان
هو ذلك الجزء الطفولي الذي يرفض أن يموت
الجزء الذي يتألم بصدق ، ويحزن بصدق
ويحب بصدق ويؤمن بأن العالم
رغم كل شيء يمكن إصلاح
ه بيد رجل واحد
إن كان قلبه لا يزال يخفق لدمعة طفل
تمت
طارق غريب
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 