أخبار عاجلة

خيال ميت.. حي

قصة قصيرة *** خيال ميت.. حي

خلف تقاطيع طفوليه .. وجسد صغير .. كانت تشغلني ، تلك البنت التي تسكن أمامي ، كل مساء .. وأنا اطل من شرفتي .. وهى جالسة في شرفتها .. تطالع كتابها .. وتقرأ بنصف عين وتخصني بالنصف الآخر ..ألقى تحية المساء ..فترد البنت وعلى وجهها نصف ابتسامة :
– مساء الخير ياعمو

أتنهد ..وأدخل شقتي الباردة ..افتح الثلاجة ، و أغلقها ..أتحسس حبات طماطم باردة ..اقطع بتمهل خيارة صغيرة ..أتلمس برودة الأرضية ..أرسم على وجهي ابتسامة عريضة ..اركل جهاز التكييف لكي يكف عن الزن ..افرش الترابيزة المدورة ذات الكراسي السبع الخالية ..

وعلى الركن الخاص بى أضع الإطباق ..أتأمل نفسي ، واصلي في سرى صلاة لا اعرفها .. وأتخيل أنى ابتسم لهند الصغيرة ..وأنهر ليلى ..واصفق لحنان ..فيما تكون كوثر قد سكبت عصير الطماطم على ملابس كاميليا ..أجرى بها إلى الحمام ، واخلع عنها ملابسها ..وهى تطوح بضفيرتيها وتصرخ في بشدة .

.متعبا أجلس ..وألملم ما تركه لي أبى خمس بنات وولد ..أحكى لهم عن سندريلا والغول وبنت السلطان .. فيتدخلوا ويناموا متماسكين كبناء واحد ..وأنا مستكين في وسط الكنبة ..أشعر بدفء الأجسام ..لحظات بعدها أجرى إلى أماكنهم أتحسس دفء الأسرة ..وألملم تلك المشاغبات .

على صوت دقاتها انتبهت .. إلى أن يدها الصغيرة تدق على الباب الخارجي ..بعدما تعبت من استعمال الجرس ..أفتح الباب ، فيطالعني وجه البنت ..وهى تنظر إلى الأرض ، في حين يهمس فمها الصغير بكلمات متلعثمة :
– ماما بتقول حضرتك هات المفرمة

أتوقف للحظات ..وإنا أتابع تقاطيع وجهها ..والارتباك الطفولى يحتوى أجمل ما فيها ..أدخل وأعود وأناولها المفرمة .. ويدي الأخرى تتحسس ضفيرتيها ..وهى تنفك منى ، وشبه ابتسامة صغيرة تحاصرني ..أغلق بابي ..

واضىء أنوار شقتي ..وأدخل المطبخ وأخرج ، وأنا أنقل الطعام بفرح ..أدور في أرجاء الشقة .. أحس بالسعادة وأنا أفتح الحجرات ، وأغلقها ..ادخل حجرة نومي وأحاول أن أنام ..لكنى لا استطيع فأنهض وأدور من جديد .. فألمح على الرف دفتر ذكرياتنا يقبع مستكينا بين أشيائنا القديمة ..على غلافه الخارجي كتبت بخط واضح هام تحسسته بقلق .. وفتحته بحزن .. ومررت على مراحل عمر وعمرهن .

استيقظت في صباح اليوم التالي ودفتر ذكرياتنا مفتوح على صورهن في ملابس الفرح ..لملمت دفاترنا ..ووضعته مكانه ..ثم حاولت أن ارتب ما سوف افعله في يومي ..لدهشتي لم أجد شيء يستحق أن اهتم به ..هززت رأسي وأسرعت افتح باب شرفتي .. فقابلني وجه أم البنت في غبشة الصباح .. وهى تنشر ملابس صغارها وتتأملني ثم تنحني داخل الشرفة وتظهر من جديد

بمقدمة رأس عارية تحمل بين كفيها .. قطعة من ملابس صغيرتي .. أحسست بالفرح وهى تطالعني على أسرارها .. وعندما أطلت النظر .. أحسست بصوتها يزجرني وهو يزعق :
– صباح الخير يااستاذ

انتفضت وبخجل طوحت بصري عنها وانأ أتمتم :
– صباح الخير .
تصبب عرقي ..وأسرعت إلى دفتر ذكرياتي ..أتحسسه واهرب به إلى زاوية حجرة نومي .. أتدثر ببرودة الحوائط .. لعلى اشعر ببعض الدفء ..وبعض الأمان ..أسمع صوت خطواتها تنقر بفرح دفتر ذكرياتنا ..وقع أقدمها لا يتوقف ..فأتخيلها على الدرج الأخيرة .. وإصبعها يطير في الهواء ..ليدق الجرس ..تن ..تن ..تن..صوت الجرس عالي ..وأنا ارتجف ..وأتحرك يمينا ويسارا ..وأتداخل بين زوايا حجرة نومي ..تن ..تن

..صوت الجرس لا يكف ..وأنا ألملم ما تبعثر داخلي ..وصغيرتي تدق بقوة .. وأنا أخاف أطوح بزرعي واسقط على الأرض بينما صوت أقدامها يعود من جديد .
————————————–
تمت
بقلم الكاتب /محمد الليثى محمد

شاهد أيضاً

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد حوار: د.هناء الصاحب …