أخبار عاجلة

خربشات غسان

خربشات غسان
غضب الروح
غضب الطبيعة وقت يشتد يرسل عواصف وأعاصير مدمرة لاترحم ولا تدع أي مجال لأحد لمقاومتها أو تحديها .
هكذا كانت الأجواء تلك الليلة والجميع يختبئ من غضب الطبيعة .
كان جالسا على أريكته والنار تتأجج بذاك الموقد القديم الذي طالما جلس قربه ..
فكثيرا ما تراه وهو يحمل كتابه تائها بين أسطره غير عابئ بما يحدث خارج جدران تلك الغرفة وكأنه بعالم خارج ذاك العالم أو قطعة من الأثاث المنتشر حوله حتى وكأنه جسد بلاروح..
غرفته تلك بذل المستحيل ليجعل منها مقرا قادرا ألا يغادره لفترة طويلة فهو ألحق بها كل ما من شأنه أن يكفيه عما خارجها من حمام أو بوفيه صغير حتى السرير هو كرسيه الذي يمكن أن يتمدد ليكفيه رقاد فارقه منذ مدة فرقدته أصبحت لدقائق قليلة عندما يشتد به التعب أو النعاس هي فقط لتريح عيناه من تلك الأسطر والكلمات التي لم يعد يكترث لسواها.
لم يعلم متى فتحت الباب ودلفت منه مقتربة من ذاك الموقد وضعت كرسيها بقربه جلست بهدوء بعد أن سكبت فنجانا قهوة من الدولة التي أحضرتها .
مضى بعض الوقت وهي منتظرة أن يقول لها كلمة ترحيب ولكنه لم يحرك ساكنا فهو بعالم آخر لا تعلم عنه شيء.
أخذت الكتاب من يده ودنت منه قائلة:
أنا أشعر بالبرد أرجوك امنحني بعض الدفء.
نظر لها وكأنه يرى خيالا ثم مال على كرسيه قليلا:
…صديقتي ألا ترين النار في الموقد …
هل موقدك بغرفتك مطفئ.
…..لا موقدي يلتهب بشدة ولكني لم أعد أشعر بالدفء كما في الماضي.
..عن أي دفء تتحدثين فأنا فقدت كل حواسي ألا تدركين أنك ترين جسدا مجردا لاروح فيه…
ألم تبذلي كل ما أنت قادرة عليه لتجعلي مني روحا متجلدة …
من أين أمنحك الدفء فأنا لم أعد أعرفه أو أشعر به…
بذلت كل طاقة لي وأنا أبني منزلا متواضعا ولكنه مليءبالدفء …دفء الحب الذي لايمكن أن يسمح للرياح أن تعبث به …
بذلت المستحيل كنت أسعى نهارا لجمع بذار مميز وأقضي الليل وأنا أغربلها خوفا من وجود أي نوع من السوس الذي قد يتلفها لأنثرها بكرمنا وأنا أحسب أن يوم الحصاد لن يتأخر فهو قادم وقت يغزو الشيب رأسينا …
كنت أحلم بيومنا هذا وأنا جالس وإياك والدفء يملأ قلبينا ونحن نراقب أحفادنا ثمرة حقلنا …
كم سهرت وكم بذلت وكنت أنت لاهية بعيدة تبحث عمن يمنحها دفء كاذب …
تبحث بعيدا بين أزهار مخادعة تبدو بمنظر جميل وهي تنثر سموما قاتلة …
كم استمتعت بتلك السموم وكنت تختلقين أعذارا واهية …
كم حذرتك منها حتى بعد المشيب توسلتك أن تلك زهرة وضيعة لاتقربيها ورغم ذاك لم يكن لرجائي سمع لديك…
صديقتي أنت من أحضر السموم من تلك الزهرة لتذهبي هباء بكل دفء خبأته …
أنت من سقاني بعصيانك وبحثك عن إرضاء نفسك ذاك السم …سم قتل كل ما تكتنزه روحي من مشاعر …
ا
أمازلت لم تلاحظي أني فقدت كل أحاسيسي النوم غادرني الأمل هجرني حتى الدفء تحول إلى جليد داخل روحي التي ماتت من يومها …
أجل صديقتي أنت من سمح لتلك العاصفة بأن تسعى بحرية في بيتنا…
تقولين أحبك وبيدك كأس سم قتل روحي بهدوء…
وها أنت الآن تفتقدين الدفء …
صديقتي قلبي أصبح متجلدا من برودة ذاك الخنجر الذي مزقه بيديك …
وروحي فقدت مع فقدان ذاك الحب دفئها
حبيبتي أتوسلك لاتقربي مني فحبي أصبح إعصارا وروحي هي كتلة جليد بلا مشاعر
بقلم غسان يوسف(سورية_طرطوس)

شاهد أيضاً

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد حوار: د.هناء الصاحب …