بِطَيبةَ عرِّج إنّ بين قِبابها..
حبيبا لأدواء القُلوب طبيبُ
إذا لم تَطب في طيبةٍ عند طيِّبٍ..
به طيبةٌ طابت فأين تَطيبُ!؟
لم تَزل نُعوتُ النَّبيِّ الأكرم صلَّى الله عليه وسلَّم الجميلة وشمائلُه الجليلة متنفَّسا للخواطر, ومَرتعا للنَّواظر, بل لم يَزل كُلُّ ما له به علاقةٌ تَذكارية غايَةً مقصودة, تُستخرج جواهرُ الحكمة من بُحورها, وتَتحلَّى طُروسُ الفضائل بسُطورها, لمكانة النَّبيِّ الأكرم صلَّى الله عليه وسلَّم الذي يحيي ذكره القلوب، وتطرب له الأرواح. .
ثم إنه لم يزل كثير ممن رام ذلك الجناب يجعلون للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم -غلوا فيه- بعض حقوق الخالق تعالى، ويأخذون منها بطرف للصالحين. .وعندما ينكر عليهم منكر يصمه أمثلهم طريقة بخفة الإيمان وجمود المحبة.
وإنَه -وربِّي- لأمر عظيم, أن يَلجأ العبدُ من دون الخالق القويِّ إلى مَخلوق لِكشف كَربٍ مرهوب أو جَلب خير مطلوب, أو تدلهمّ عليه الخطوب وتَضيق الدُّروب فيَستَغيث بمَيِّت من دون الحيِّ الَّذي لا يَموت.. كأنّه ليس له قلبٌ يَعقِلُ به أو سَمعٌ يُلقيه إلى قول المَولى سبحانه: (أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعاه ويَكشِفُ السُّوءَ ويَجعَلُكم خُلفاءَ الأَرض أَإِلَهٌ مَّع اللَّه قليلًا مَّا تذَكَّرُون)
وقد كان النَّبِيُّ الأكرمُ صلَّى الله عليه وسلَّم بين الصّحابة الأخيار يوم بدر, يُكحِّلون مُقلَهم بالنّظر إلى شَخصه البَهيّ, ويُطربون آذانهم بالاستماع لكلامه الرَّضِيّ, تَغمُرُهم بركاتُه, وتُظلّهم نفحاتُه, ولم يستَغيثُوا به حين اشتَدَّ الأمرُ وإنَّما اتَّبعوه في استغاثتِه بربِّه, فقال سُبحانَه: (إِذْ تَستَغِيثُون رَبَّكم فاسْتَجابَ لَكُم أَنِّي مُمِدُّكم بأَلفٍ مِّنَ الملائِكة مُردِفِين..)
ولو كانت في الاستِغاثة بالمخلُوق فيما لا يَقدر عليه إلا الله مَزيَّةٌ لاستغاثَ الصّحابة على قلّة عدَدِهم وعتادِهم يوم الفُرقان بأكرم الخلق حين خرج الَّذين كفروا (بَطَرا وَرِئَاءَ النَّاس وَيَصُدُّون عَن سبيلِ اللَّه..)
ولقد كان النَّبيُّ الأكرمُ صلَّى اللهُ عليه يَجوعُ أشَدَّ الجُوع وأطولَه حتَّى لا يُسأل رَفع المجاعة عن النَّاس من دُون الله, وكان يُصابُ بأعظم الأذَى وأخوَفه حتَى لا يُحتَمى به من دُون حِمى الله عزَّ وجلَّ, ولكنَّه يُسأل الدُّعاء وهو أكرم مَن رفع أكُفَّ الضَّراعة تَواضُعا لله وطلبا لمرضاتِه.
وما أعظم هديَ القرءان حيثُ يُعلِّمنا أن من أدبِ الدُّعاء سَيرا بنا على جادَةِ (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظمُ مِنِّي واشْتعَلَ الرَّأْسُ شَيبا وَلَم أَكُن بِدُعَائِك رَبِّ شَقِيًّا) ذِكرَ ضعف المخلوق وعَجزه, وليتَ شعري كيف نَصِف ضَعف قوّتنا بين يَدَي دُعاء المخلوق وقد وَهَن العظم منه, وكيف نَصِف حاجتنا للحياة وقد واراه الثَّرَى!؟
إنَّ دعاء المخلوق والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله هو أكثرُ أنواع الشِّرك ورودا في القرءان, ومع ذلك لا يزال أسرعَ في النَّاس من تَصويت القَطا..ولا تزال له حواضِن باسم التَّصوُّف والمشيخة..أعدَى مِن الجَرب, تنتَهج التَّلميع وتقتاتُ على الخُرافة, وتعبَثُ بالعقول, وتَبني أوهَنَ العقائد.. (..إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُون مِن دونِه مِن شَيْءٍ وهو العزيزُ الحكِيم وتِلك الأمثالُ نَضْرِبُها للنَّاس وَما يَعقِلُها إِلَّا العالِمُون)