بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي الكثير والكثير عن يوم القيامة وعن أهوال هذا الموقف العظيم، وهو يوم يكون فيه الجدال لأهل الأهواء، ويجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم حيث يقول تعالي ” فيحلفون له كما يحلفون لكم ” ذلكم ظنكم بربكم، فيختم الله تعالي على فيه وتنطق جوارحه التي لم تكن ناطقة في الدنيا تشهد عليه حيث يقول تعالي ” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم ” وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، والمعاذير لله تعالى يعتذر الكريم ويقيم حجته عليهم.
حيث يقول تعالي ” وشهدوا على أنفسهم أنهم كافرين ” ثم يبعثهم إلى النار فيقول رسول الله صلي الله عليه وسلم “لا أحد أحب إليه العذر من الله، حيث يقول تعالي ألم أجعل لك سمعا وبصرا ومالا وولدا، وسخرت لك الأنعام، والحرث وترأس وتربع فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني” والعرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر وهو يخلو الله تعالي بهم فيعاتبهم في تلك الخلوات ويقررهم بذنوبهم ثم يغفر لهم ويرضى عنهم، وإن الله تعالي يدني المؤمن يوم القيامة حتى يلقي عليه كنفه ويقول فعلت كذا وكذا يوم كذا، فيقول نعم فيقول أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وجاء في الصحيحين أيضا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ” ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان،
فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم ” وقال الإمام القرطبي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ” فمن إستحى من الله في الدنيا مما يصنع استحى الله عن سؤاله في القيامة ولم يجمع عليه حياءين كما لم يجمع عليه خوفين، ومن ستر على مسلم عورته، ستر الله عورته يوم القيامة ” وقال أبو حامد الغزالي فهذا إنما يرجوه عبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم، وإحتمل تقصيرهم في حقه ولم يحرك لسانه بذكر مساوئ الناس ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله في القيامة، وكما أن الإعسار من أعظم كرب الدنيا بل هو أعظمها فجوزي من نفس عن أحد من المعسرين بتفريج أعظم كرب الآخرة وهو هول الموقف وشدائده، وقال النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم قال ” كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرا،
قال لصبيانه تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه، وأما مظالم العباد فالقصاص، وقال الثوري إنك أن تلقى الله عز وجل بذنبا فيما بينك وبينه أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد، وفي صحيح البخاري يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ” من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينارا ولادرهم إن كان له عمل صالح أخذه منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه” وكما قال صلي الله عليه وسلم “إن المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شئتم هذا وقذف هذا وأكل هذا وسفك دم هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل إنقضاء ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” مسلم.