الشرنوبي الصغير
الشاعر الطبيب أحمد شاهر الشرنوبي ١٩٩٨ م ٠
تغريدة الشعر العربي السعيد عبد العاطي مبارك الفايد – مصر
وحسبي من الشعر العمودي أنني * إذا أنطق القرآن يسلم نطقي ٠
٠٠٠٠٠٠
دَعِ الشِّعْرَ أَصْبَحْنَا مِنَ الشِّعْرِ فِي خُسْرِ
فَلَسْنَا وَإِنْ حَاوَلْتَ فِي زَمَنِ الشِّعْرِ
فَلَا شَاعِرٌ يُعْطِي الْقَصِيدَةَ ذِكْرَهَا
وَلَا قَارِئٌ حَتَّى يُدَافِعَ عَنْ ذِكْرِ
وَلَا النَّاسُ تَدْرِي مَا حَقِيقَةُ لَفْظِهَا
وَأَنْتَ وَرَبُّ الْكَوْنِ يَشْهَدُ لَا تَدْرِي
لَقَدْ جَهِلُوا بِالتِّبْرِ إِلَّا بِلَوْنِهِ
فَصَارُوا يَضُمُّونَ التُّرَابَ إِلَى التِّبْرِ
يُسَمُّونَ شِعْرًا مَا إِذَا مَا سَمِعتَهُ
بَكَيْتَ عَلَى الْأَقْلَامِ مُهْرَاقَةِ الْحِبْرِ
وَمَا كُلُّ مَشْطُورٍ يَكُونُ قَصِيدَةً
وَلَا كَانَ فَحْلًا كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا كِبْرِ
وَمَا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْبِحَارَ بِمُبْدِعٍ
وَرُبَّ غَرِيقٍ قَادَهُ الْمَوْجُ لِلْبَرِّ
وَكَمْ شَاعِرٍ بِالِاسْمِ وَالْقَوْلُ مُضْحِكٌ
وَلَا تُسْعِفُ الْأَلْقَابُ إِلَّا أُولِي النُّكْرِ ٠
٠٠٠
أليس هو القائل عن حقيقة الشعر :
لَقَدْ جَهِلُوا بِالتِّبْرِ إِلَّا بِلَوْنِهِ
فَصَارُوا يَضُمُّونَ التُّرَابَ إِلَى التِّبْرِ
يُسَمُّونَ شِعْرًا مَا إِذَا مَا سَمِعتَه
بَكَيْتَ عَلَى الْأَقْلَامِ مُهْرَاقَةِ الْحِبْرِ ! ٠
—–
( هذا الملف إهداء إلى الصديق المبدع الأستاذ محمد الشرنوبي الذي يعكف كل عام على تراث صالح الشرنوبي الكبير ليحصد منه ثمار يتذوقها كل المحبين لنتاج الشرنوبي في تأصيل ٠٠ ) ٠
أجل عندما نقلب في عالم الشعر و الشعراء مع رحلة الزمان و المكان نتوقف مع كلمات لها صدى في الفكر و الوجدان تهز المشاعر من سحر البيان و من حكمة الجنان داخل أروقة فنون الشعر ذات النزعة الرومانسية الفلسفية الجمالية في أنشودة غنائية يترنم بها شاعرنا الشرنوبي الصغير بين دفقات صالح الشرنوبي الكبير عند أصداف الشاطيء هكذا ٠٠
و كأننا نعيد سيرة الأخطل الكبير و الأخطل الصغير في استحضار الهوية لملامح وموروث القصيدة العربية بكل خصائصها الفنية شكلا و مضمونا في تلقائية تبعث الضاد من مخدعها في ثوبها القشيب ٠
و لَمَ لا فهو إنسان شاب مبدع قد جمع بين الطب و الشعر من مدرسة شاعر الأطلال ناجي حيث الرومانسية المحترقة و مدرسة صالح الشرنوبي التي تفجر الجمال من فلسفته التأملية و إشراقات الصوفية وسط تلك البيئة التي منحتها تلك المشاعر و الحكمة ٠
فهو شاعر مطبوع يمتلك لغة صحيحة تواكب قصيدته العمودية التي يهزها من وحي الوزن الخليلي ذات بلاغة و فلسفة طببعية وصوفية تشرق مع كل مقام تعكس مدى رؤيته لتناول قضايا تساوره عبر رحلة عملية الإبداع مع جمال تلك البيئة وسحر الشاطيء و الرمال و النخيل و البحيرة و مراكب الصيد و الإنسان المسكون بالبحث عن أبسط مطالبه اليومية هكذا ٠٠
* نشأته :
======
ولد الشاعر أحمد شاهر الشرنوبي في عام ١٩٩٨ م بمدينة بلطيم البرلس كفر الشيخ جمهورية مصر العربية ٠
و درس في مدرسة الشهيد جلال الدسوقي الثانوية و مثل إتحاد الطلاب ٠
و التحق بكلية الطب جامعة كفر الشيخ و يستعد لإنهاء إمتحانات بكالوريوس الطب و الجراحة ٠
مع التوازن في صناعة القصيدة من نشأتها ذات نزعة الميلاد الأولى ٠
و شاعريته قد تفتحت منذ نعومة أظفاره على ديوان صالح الشرنوبي الذي يستلهم الإبداع من جذور مدرسته الشعرية فهو صوت قوي لصدى تلك الحياة بمظاهرها و الباحث عن الحقيقة تحت أغوارها ليستخرج لنا لآليء الشاطيء من جديد في ثوبها القشيب ٠
و يزهو بقصيدته العمودية و يستعد بعد الانتهاء من إمتحانات نهائي بكالوريوس الطب من طبع ديوانه المتنوع الموضوعات وذات مقاطع شعرية لها دلالات في إسهامات رسالة و فن الشعر من منظور الشباب في حلقات و تواصل بين القديم و المعاصرة مع الحفاظ على ثنائية القصيدة مع روح التجديد ٠
* مختارات من شعره :
————————-
يقول شاعرنا المبدع احمد شاهر الشرنوبي في قصيدته التي تحمل دلالات تعج بالمفردات و الصور المركبة و الخيال الخصب الذي يجسد ملامح الهيام في حبه الذي يشرق مع بدايات رحلته برغم الغيم التي تحجز السنا من مواكب النور يتسلل إليها في جرأة الفيلسوف مع تلاحم أقواسه الشاردة :
أجَاركَ اللهُ مِن أقواسِ شاردةٍ
ومن حديثٍ لطرفِ العينِ مسنودِ
.
ومن عيونٍ تَراهَا ثُمَّ لستَ تَرَى
وهِي تَرَاكَ كظلٍّ ثَمَّ ممدودِ
.
تصيَّدتنِي وقلبِي ليسَ يُفلتُها
عَميتِ عنّي، فما الدّاعي لتقيِيدي؟!
.
أطنبْتِ وعدًا فلِمْ أوجزتِ توفيةً؟
يا خَيرَ مُطنِبةٍ إيجَازُكُم يودي
.
وأنتِ جُودٌ وحُسنٌ لا نَفَادَ له
والحبُّ أفصَحُ مَا يُبدِي عَنِ الجُودِ
.
يُسامِحُ اللهُ عينًا لا تُصَادقُنِي
على المواعيدِ، يا لهْفَ المواعيدِ
.
وسحرُها آثمٌ من لا يصدّقُه
ورمشُها ملؤه معسولُ توكيدِ
.
وثُقْتُ فيه بحبلٍ شدّ من عُنُقي
فالحبلُ أقربُ لي واللهِ من جِيدي ٠
***
و ها هو في تلك المقطوعة الشعرية الرائعة ( في عودة للشعر بعد غياب ) يلوم القوافي التي تعاند قلبه بين حسرة و فرح وحوارية تختصر البراح في مكاشفة و إيقاظ لحظات الأمل في تدفق النهر الصامت فينتشي فارسا للقوافي ليسطر ملحمته و يرتب أوراقه منتصرا شاديا معاتبا :
مَا لِلقَوَافِي تَعُقُّ سَيِّدَهَا
أم أَنَّ خَوْفِي عَلَيْكَ قَيَّدَهَا؟!
أَمْ أَنَّنِي مَنْ تَرَكْتُ سَاحَتَهَا
لِكُلِّ مَن جَهِلُوا قَوَاعِدَهَا؟!
قَدْ عِشْتُ دَهْرًا مَتَى نَظَرْتُ لَهَا
مَدَّتْ بِأَجْوَدِ قِيلِهَا يَدَهَا
بِهَا الْقَلَائِدُ، ثُمَّ يُؤْسِفُنِي
مُقَلِّدٌ جَاءَ كَيْ يُقَلِّدَهَا
تَقُولُ فِي حَسْرَةٍ بَكَيْتُ لَهَا:
النَّاسُ قَدْ جَهِلَتْ مَقاصِدَها
قَدْ شَوَّهُونِي؛ فَنِمْتُ فِي كُهُفٍ
مَدُّوا ذِرَاعَهُمُ وَصَائِدَهَا
أيْقَظْتُهَا، فَأتَتْ عَلَى أَمَلٍ
تَجُرُّ فِي لَهَفٍ قَصَائدَهَا
أرَى المَعَانِي عَلَى بَرَاعَتِهَا
أتتْ وَقَدْ دَخَلَتْ مَصَائِدَهَا
وَمَا رَأَيْتُ الزَّمَانَ أَعْجَبَ مِنْ
فَرِيسَةٍ تَسْتَمِيلُ صَائِدَهَا
تَقُولُ: هَاكَ الحُرُوفَ خَاضِعَةً
فَأَنْتَ مَنْ بِيَدَيْهِ خَلَّدَهَا
أَسْتَغْفِرُ اللهَ كَيْفَ تَعْبُدُنِي
طُولُ الْغِيَابِ الصَّوَابَ أَفْقَدَهَا
وَكَمْ عَيِيٍّ يَخشَى مُقَارَنَتِي
يَقُومُ لَيْلَهُ أنْ يُعَبِّدَهَا..
***
و يخاطب زهر العمر شبابه و كأنه يلوح للمحبوب الذي لا يأتِ محملا بالذكريات برغم موعد الانتظار وجهل الحديث و الإشارات التي تنبيء عن حالة ثوران مفتبسا من فلسفة الوجودية عند جده الشرنوبي في حبل الوصال مخاطبا نفسه هائما ينعي حظه العثر قائلا :
يا زهْرَ عمْريَ عذرًا جفَّ عُنقُودي
فكيفَ تنبُتُ إن فتَّ النَّوى عُودي
.
ولي حبيبٌ بِلا حُبٍ يُبادِلُه
وحبُّه خيرُ شيءٍ غيرِ موجودِ
.
وربَّ رفَّةِ عينٍ مِنهُ شَاردةٍ
تأذَّنَتْ بجوىً جَمٍّ وتشْريدِ
.
كأنَّها وَعدتْ عَينِي وبَينهُما
دارَ الحديثُ بِلا صدٍّ ومصدودِ
.
الرِمشُ يسرُدُ والأحداقُ مُصغيةٌ
وصَاحِبَاهم بحبلٍ غيرِ مشدودِ
.
ما بَينَ شاردِ عينٍ غَيرِ منتبهٍ
وبَينَ هانئِ عينٍ جِدُّ مفقودِ
.
قد عِشتُ في لَحظةٍ أحلَى سِنِي عُمُري
وسرَّني مِنهُ وعدٌ غيرُ مَوعودِ
.
أجَاركَ اللهُ مِن أقواسِ شاردةٍ
ومن حديثٍ لطرفِ العينِ مسنودِ ٠
****
و يصول و يجول في تلك المقطوعة كزورق يحوم حول هالة الجمال ممنوع من الاقتراب فيرسم لوحته في تلاقي و ثبات حاديا في نزعة شجن متجذرة كطلاسم إيليا أبي ماضي مع المساء المجهول في نشوى :
وَإِمَّا جَمَالٌ تَاهَ فِي غَيْهَبِ الْفِكْرِ
طَلَاسِمُ سَكْرَانٍ تُدَغْدِغُ أَبْلَهًا
لِتَهْطِلَ أَمْطَارُ التَّمَلُّقِ وَالشُّكْرِ
وَمَا لِيَ فِي شِعْرٍ كَذَا أَيُّ حَاجَةٍ
وَقَدْ كُنْتُ أمْسِي بِالْبَلَاغَةِ فِي سُكْرِ
دَعِ الشِّعْرَ !
أَصْبَحْنَا مِنَ الشِّعْرِ فِي خُسْرِ
سِوَى لِلتَّوَاصِي بِالْفَضِيلَةِ وَالصَّبْرِ ٠
***
و نختم له بهذه المقطوعة البديعة التي يرسم من خلال لوحاته الشعرية في تجليات متداخلة تحت عنوان (
دَعِ الشِّعْرَ ! ) و يصور لنا مدى روح الثائر في تبرم و شكوى و مناجاة لما آلت له حالة القصيدة العربية و انكاسة الشاعر في بنائها المتناغم الذي يشعر به المتذوق لهذا الفن الجميل :
دَعِ الشِّعْرَ أَصْبَحْنَا مِنَ الشِّعْرِ فِي خُسْرِ
فَلَسْنَا وَإِنْ حَاوَلْتَ فِي زَمَنِ الشِّعْرِ
فَلَا شَاعِرٌ يُعْطِي الْقَصِيدَةَ ذِكْرَهَا
وَلَا قَارِئٌ حَتَّى يُدَافِعَ عَنْ ذِكْرِ
وَلَا النَّاسُ تَدْرِي مَا حَقِيقَةُ لَفْظِهَا
وَأَنْتَ وَرَبُّ الْكَوْنِ يَشْهَدُ لَا تَدْرِي
لَقَدْ جَهِلُوا بِالتِّبْرِ إِلَّا بِلَوْنِهِ
فَصَارُوا يَضُمُّونَ التُّرَابَ إِلَى التِّبْرِ
يُسَمُّونَ شِعْرًا مَا إِذَا مَا سَمِعتَهُ
بَكَيْتَ عَلَى الْأَقْلَامِ مُهْرَاقَةِ الْحِبْرِ
وَمَا كُلُّ مَشْطُورٍ يَكُونُ قَصِيدَةً
وَلَا كَانَ فَحْلًا كُلُّ مَنْ كَانَ ذَا كِبْرِ
وَمَا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْبِحَارَ بِمُبْدِعٍ
وَرُبَّ غَرِيقٍ قَادَهُ الْمَوْجُ لِلْبَرِّ
وَكَمْ شَاعِرٍ بِالِاسْمِ وَالْقَوْلُ مُضْحِكٌ
وَلَا تُسْعِفُ الْأَلْقَابُ إِلَّا أُولِي النُّكْرِ
يُكَرِّرُ مَا اسْطَاعَ الْخَيَالَ يُمِيتُهُ
وَثَيِّبَهُ يَأْتِي وَيَنْأَى عَنِ الْبِكْرِ
فَإِمَّا وُضُوحٌ لَا جَمَالَ يَضُمُّهُ ٠
فإما وضوح لا جمال يضمه
و إما جمال تاه في غيهب الفكر ٠
و في نهاية المطاف لا نمتلك إلا أن نقول تحية لهذا الشاعر الشاب الرصين و الطبيب الواعد في حكمة تجمع شتات المعطيات من خلال قرائتنا لأحمد شاهر الشرنوبي الي يأتي من جذور مدرسة الشرنوبي الكبرى في تلقي مع ميلاد القصيدة العمودية من جديد ٠٠
نتمنى له التوفيق بين الطب و الشعر معا ٠
و ننتظر كتابه بشغف دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي إن شاء الله ٠