الدرج المعجزة
بقلم الكاتب: عبده داود
قصة حقيقية بتصرف
تموز 2021
في الحقيقة أنا اسمع عن عجائب كثيرة تحدث عند المسيحيين والإسلام وعند ديانات أخرى، وخاصة عجائب شفاء المرضى.
لكن هذه الأعجوبة مختلفة ومتميزة لأنها أعجوبة محسوسة، مرئية، ملموسة وجودها شاهد على عظمتها، قصة درج لا يزال يحير كل من شاهده، وجميع الذين يرونه يقولون ما أكرم الرب!
تقول القصة، جاءت الراهبات مسرعات ليستلمن كنيسة لوريتو في مدينة سانتا فه بولاية نيو مكسيكو في امريكا. في أواخر القرن التاسع عشر، تفاجأن واستغربن بشدة، ان المعماريين لم ينشئوا درجاً داخلياً يربط أرضية الكنيسة، مع قسم الكورال في الطابق الثاني.
احتجت الراهبات احتجاجاً شديد اللهجة على المنفذين…فكان رد المهندسين المفحم، بأن المخططات الهندسية للكنيسة لا يوجد فيها الدرج المطلوب. والمعماريون نفذوا المخططات تماماً كما وردت…
الواضح هو خطأ المهندس المصمم أولاً، ثم خطأ الراهبات اللواتي لم يراجعن المخططات قبل التنفيذ…
احتارت الراهبات بأمرهن ماذا يفعلن. استشرن عددا من المهندسين والمعماريين ليحلوا لهن هذه المشكلة، جميعاً قالوا المشكلة صعبة وليست سهلة، غير ذلك الدرج في هذه الحالة سيأخذ حيزاً كبيرا من مساحة الكنيسة الداخلية…وتنفيذ العمل يتطلب مبلغا كبيرا من المال، والمال لم يكن متوفراَ لدى الراهبات آنذاك…
أخذت رئيسة الراهبات (الريسة كما يسمونها) تبكي وتطلب من الله أن يسامحها كيف هي لم تراجع المخططات قبل التنفيذ… أصلاً هي لا تعرف كيف تقرأ تلك الرسومات ذات الخطوط المتداخلة والمعقدة، وأيضاً كانت تلوم ذاتها لأنها وضعت ثقتها الكاملة في المهندس المصمم المعروف عنه إنه من أفضل المهندسين في المنطقة حين ذاك … لكن كما يقال لكل فارس كبوة… وكبوة هذا الفارس كانت درج الكنيسة الداخلي.
استسلمت الراهبات للمصيبة الحاصلة، واعترفن بعجزهن على حلها. وداومن على الصلاة طالبات مساعدة السماء.
لاحقاً، قرع أحدهم باب الدير، وطلب مقابلة الرئيسة، وقال بأنه نجار وهو مستعد أن ينفذ العمل بالكامل…
قالت الرئيسة معتذرة: يا سيد، مهندسون ومعماريون عديدون قالوا بعدم قدرتهم على تنفيذ الدرج المطلوب، وقالوا هذا الأمر صعب ومكلف، كيف يمكنك تنفيذه بمفردك؟ وأيضا نحن لا نملك نقودا، أو أي مواد نقدمها لتنفيذ درج كهذا.
ابتسم النجار وقال: ربنا لا ينسى ابناءه، لا تحملي هماً. لن أطلب منكن أي شيء، وعندما ربنا يرزقكن ستعوضنني بدون شك، أنا أكيد بان الله سوف يساعدكن.
وأيضاً أنا لن أطلب منكن أي شيء، وأنتن لن تخسرن شيئاَ قطعياً.
طال الحوار بين الريسة والنجار، بعدها طلبت الريسة من الراهبات أن يسلمنه مفاتيح الكنيسة.
كان النجار يعمل بمفرده، وبعد أيام قليلة أنهى عمله، وطلب من الراهبات الحضور لاستلام الدرج.
كانت المفاجأة صارخة مدوية للراهبات، روعة الدرج وجماله. أبداً لم يكنّ يتوقعن عملاً بهذا الكمال، وهذا الإتقان وهذا الرونق البديع…وخاصة الدرج اقتطع مساحة صغيرة في زاوية الكنيسة والمفاجئ، تبرع النجار بكامل العمل للكنيسة، ولم يقبل منهن حتى مجرد هدية. ورفض أن يعطيهن اسمه، أو عنوانه، حتى يعدن له استحقاقاته لقاء جميل صنيعه. قالت الريسة:
هو جاء إلى الدير كنسمة هواء منعشة، وفعل الكثير، ورحل بهدوء ومحبة كتلك النسمة…
تمت دعوة الناس لتدشين الكنيسة تحت رعاية أسقف المدينة. لبى المدعوون الدعوة، كانت الأجراس تقرع تدعو الناس إلى الكنيسة…
فرقة الكورال كانت ترتل الألحان الكنسية الرائعة…
تفاجئ الناس بوجود الدرج رائع الجمال واندهشوا متعجبين. كيف حصل هذا؟ كان التساؤل الكبير من المهندسين أنفسهم الذين عاينوا الدرج واكتشفوا بانه مبنى بطريقة التعشيق، وبدون عمود استناد لترتكز الدرجات عليه، والغريب في الامر نوع الخشب المستخدم في بناء الدرج من النوع الفاخر غير المتوفر أصلاً في ولاية نيو مكسيكو، مما أثار الدهشة والاستغراب وزاد في التساؤلات والحيرة…
أعجب الجميع بهذه المقدرة الفذة، وبهذا الاحتراف المهني، والرونق الجمالي الخلاق، والاتقان في العمل، والسرعة في التنفيذ والانجاز… عمل ضخم يعجز عنه محترفون بذلك الزمن…
المهندسون انبهروا بالفعل، وأرادوا التعرف بالفنان الذي نفذ هذا العمل، من هو ذاك النجار العبقري، الذي لا يعرفه أحد، ولم يسمع عنه أحد، ما اسمه؟ أين يسكن؟ من أين جاء؟ من أين أحضر الخشب وكيف عمل بمفرده؟ عمل مستحيل أن ينجزه نجار واحد بهذه المدة الوجيزة، وبهذا الكمال والجمال…أقر الجميع بان ذاك العمل هو معجزة حقيقية. وكان السؤال الدائرمن كان ذاك النجار؟
فقط رئيسة الراهبات كانت تعرف السر. كانت تبتسم. والغبطة تملأ قلبها، وكم تشكرت الله وأهل السماء على كرمهم وعطاءاتهم المجانية…
وتحت الحاح واصرار الجميع أن يعرفوا من كان ذاك النجار، أخيراً باحت رئيسة الراهبات بالسر وقالت: النجار هو مار يوسف بذاته، نعم كان النجار هو مار يوسف خطيب مريم العذراء…
يا للروعة، هذا ما حدث في كنيسة سانت فه منذ 130 سنة.
هذه الكنيسة ودرجها المعجزة التي يزورها ما يقارب 250 الف زائر سنويا، وعدد الزوار في تزايد سنة بعد سنة، ليعاينوا درج مار يوسف، ويشكرون الله على عطاءاته…
إلى اللقاء بقصة جديدة.