الحبكة المسرحية

قراءة فنية في أسرار كتابة النص المسرحي (١٠)
الحبكة المسرحية

بقلم: اشرف عبد الرازق

الحبكة في اللغة جمع حبَكَات بفتح الباء والكاف وحبْكَات بسكون الباء وفتح الكاف، وهي كل شيء محكم منسق، (١) وهو ما قيل في تفسير قوله تعالى في الاية ٧ من سورة الذاريات: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ قال ابن عباس (٢): ذات البهاء والجمال والحسن، وقيل لاتقان صنعتها، والحبكة وحُبَك: حَبْل ونحوُه يُشدّ به على الوسَط “شدّ وسَطه بحُبْكة”. ، الحُبْكَة من السَّراويل : ما فيه التِّكَّةُ، التي تحكمه.

والحبكة في اصطلاح نقاد الأدب ذكرت في القصة والمسرحية وقيل: هي (٣) التنظيم العام للمسرحية، وهي عملية هندسة وبناء الأجزاء المسرحية، وربطها ببعضها بهدف الوصول إلى تحقيق تأثيرات فنية وانفعالية، وكل مسرحية حتى لو كانت عبثية لا تخلو من الحبكة، أي من الاشتمال المرتب على شخصيات وأحداث ولغة وحركة موضوعة في شكل معين، وبالتالي فإن الحبكة لا يمكن فصلها عن جسم المسرحية إلا نظريا فقط، لأنها هي روح العملية الدرامية، والحبكة الدرامية أو العقدة عند أرسطو لها بداية ووسط ونهاية، والاتصال بين حادثة وأخرى ينبغي أن يُبنى على المعقولية والاحتمالية، مما يعني أن تلتزم كل حادثة عند أرسطو بضرورة وجودها، حتى إذا ما حُذفت، أو غُير مكانها، أصيب بناء المسرحية بالخلل.

وهي خيط رفيع قد لا نراه بأعيننا ولكنها تربط كل أجزاء النص المسرحي ويحفظ ترابطه وتسلسله المنطقي حتى يصل للقاريء كأحداث يمكن وجود ما يشبهها في الحياة الواقعية وأشخاص من نفس الذين نقابلهم في حياتنا اليومية، وقد ربط البعض (٤) الحبكة بالصراع الذي ينشأ في المسرحية سواءً بين الخير والشر، أو الواجب والعاطفة، أو بين البطل والقدر الذي يضع له الكثير من العراقيل والصعاب في طريقه.
والحبكة نوعان (٥) بسيطة ومركبة: والحبكات البسيطة هي التي تكون نهاية أحداثها متوقعة، من المشاهد، ووصفت بأنها رديئة حين لا تتبع مشاهدها قاعدتي الاحتمال والحتمية، فقدرة الحبكة علي إثارة إحساس المشاهد بالإدهاش وهي ناتجة عن الحتمية تكون أعظم من تلك الحبكات القائمة علي الصدفة أو تلك التي تتولد من تلقاء نفسها بلا منطق .

أما النصوص المسرحية ذات الحبكات المعقدة ، فهي تلك التي تخالف خاتمتها كل التوقعات التي أثارها سياق الأحداث فيها ، ذلك لأن سياق الأحداث يدخل في منحنيات وتعقيدات تغير من اتجاهه تغيراً غير متوقعاً، وتعد مسرحية “أوديب ملكاً” نموذجاً دالاً علي هذه النوعية من الحبكات، والحبكة المعقدة تصبح أكثر إقناعاِ عندما لا تقتصر علي المفاجآت غير المتوقعة، بل تعتمد علي الحتمية المنطقية التي كانت خافية عن أبصارنا، لكن التحول غير المتوقع أبرزها علي السطح بمجرد وقوعه، وهذا دليل علي أن التحول لم يأت نتيجة صدفة مفتعلة، بل كان نتيجة حتمية لأسباب خافية علينا .

وأهم جزء في الحبكة هو ما يعرف بـ(العقدة) أو (الذروة) وهي قمة التوتر الانفعالي واحتدام الصراع، و من الممكن أن نطلق عليها عملية التحول من حالة عدم المعرفة إلى حالة المعرفة،
وتنتهي الذروة بالحدث الهابط وهنا بعد أن وصلنا إلى الذروة وانتهت عملية المكاشفة وهي أما وصول البطل إلى قمة نجاحه أو فشله في معالجته للأحداث التي مرت به خلال زمن العمل المسرحي، ومنها تبدأ مرحلة الحل ونهاية الأحداث بالحلول المقترحة للسؤال الأساسي الذي طرحته المسرحية.
وتشتمل الحبكة علي العقدة ـ من المنظور الكلاسكي الذي كان يري المسرحية عبارة عن : مقدمة / عقدة / حل ـ التي تجعلنا ننظر للنص المسرحي ، وكأننا ننظر إلي منظور هرمي ؛ تمثل أحداث البداية المقدمة ، وهي في حالة صعود / تصاعد درامي وصولاً إلي القمة / العقدة / الذروة الدرامية ، ثم تسلك الأحداث طريق الهبوط نحو الحل والنهاية .
————————-
المراجع:
(١) رضوان بن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن منظور الأنصاري الأفريقي المصري – لسان العرب – ط دار صادر بيروت لبنان بدون تاريخ.
(٢)إسماعيل بن عمر بن كثير – تفسير القران العظيم طبعة دار المعرفة اللمطبوعات – بيروت لبنان ١٩٩٢م.
(٣) إدوارد بولد – الحبكة الإنسانية – ط الأهلية للنشر – بيروت لبنان 2020م
(٤) عبد القادر القط – من فنون الأدب: (المسرحية) – دار النهضة العربية القاهرة ١٩٧٨م
(٥) محسن النصار- الحبكة المسرحية – مجلة الفنون المسرحية – عدد أبريل ٢٠١٥م
(٦)

شاهد أيضاً

اصرف لي علاج يا طبيب

اصرف لي علاج يا طبيب خواطر أغاني الأسواني الشــريف_أحمد؏الدايم أنا كل ما قول الدنيا تحلالاتي …