أخبار عاجلة

الجمال الخفي

الجمال الخفي
قصة قصيرة
1.2022
وديع شاب لطيف، وسيم، جامعي، مسيحي يحب يسوع، لكنه لا يحب رجال الدين، ولا يحب مواعظهم الروحية… يعتبرها مكررة، مسبقة الصنع، لا روح فيها…
ومع ذلك كان صديقا لكاهن الضيعة الأب ميشيل، يزوران بعضهما البعض كأصدقاء حميمين يلعبان طاولة الزهر، ويدردشان معا…
كان وديع يحب المزاح مع صديقه الأبونا، ويقول له: ألا ترشدني إلى بنت الحلال تنير لي حياتي… ولا تنس أريدها جميلة… وكانا يضحكان، ويعتبر الأب ميشيل الحديث مجرد مزاح عابر لا يعول عليه… بسبب ظروف صديقه المادية، حينها كان وديع يبحث عن وظيفة ما.
جاءت عائلة عابرة طريق، لزيارة صديقهم الكاهن واحتساء فنجان قهوة عنده…
استقبل الأبونا أصدقاءه بحرارة، رجل وزوجته وبرفقتهما ولديهما شاب وصبية…
قال الأبونا: ما شاء الله الأولاد كبروا وصاروا عرسان…
قالت الأم مازحة: صحيح يا أبونا، أنت تقول الأولاد كبروا وصاروا عرسان، ألا يوجد في الضيعة عريس لأبنتي…
حدق الأبونا إلى الشابة سمر، شابة تخلو من مسحة جمال، وهنا تذكر الأبونا صديقه وديع، وأحب أن يمزح مع صديقه، كونه يعرف أن وديع يحب الجمال، قال الأبونا ضاحكا، عندي عريس لأبنتك سأناديه بحجة ما، وسيتعرفان على بعضهما البعض ومن يدري؟
جاء وديع، وفهم سبب الدعوة، وصار يتحادث مع الصبية ومن ثم اخذا لنفسيهما مكانا محايدا في حديقة الكنيسة، وكانا يضحكان وهما بغاية الانسجام، وطالت جلستهما، وهذا ما استغربه الأبونا، والأهل لم يشاهدا ابنتهما منسجمة مع أي شاب فيما مضى…
نادى الأب ابنته: بابا يجب أن نتابع سفرتنا تعالي…
تقدم الشاب إلى أبو البنت بثقة وبصوت حازم وقال: اسمح لي ببعض الكلمات: أنا شاب لا أملك مالا، ولا أعمل بالوقت الحاضر، ولكنني متأكدا بان الله سوف يرزقني، ويفتح لي سبيلا لحياتي، وعندها أستطيع الزواج…هل يحصل لي الشرف، أن أطلب يد ابنتك؟
جمد الجميع من هذا الكلام الصريح والمباغت، بما فيهم الأبونا ميشيل الذي أحس بأن كلام الشاب جاد فعلا فيما يقول…
قال الأب أود أن أستشير أبونا ميشيل قبل أن أقول كلمتي…
الصبية قالت: أنا موافقة لقد اعجبني هذا الشاب.
الأم اعتبرت هذا الطلب حلمها الكبير، لأن ابنتها شحيحة الجمال، فأصابها نوع من الذهول ربط لسانها… لكن عندما تأكدت مما سمعت أطلقت زغرودة سمعها أهل الحارة…
استغرب أهل الضيعة الخبر، وعندما تعرفوا على الشابة، شمت من شمت، واستغرب من استغرب، ودارت النميمة بين أهل الضيعة، ألم يجد وديع خطيبة غير هذه البشعة، كيف قبل وديع أن يقترن بفتاة مثل هذه؟
وديع لم يكن يسمح لأحد بالحديث حول الأمر، كان يقول: ما اراه أنا، أنتم لا ترونه، أنا أرى فيها جمالاً خفيا، وأنتم لا ترون سوى جمال الجسد الخارجي…
حاول أهله، وحاول الجميع إقناع وديع بالتراجع عن قراره، لكنه كان يطلب منهم عدم التدخل بالأمر قطعيا…
وديع كان يذهب لزيارة خطيبته في ضيعتها، وفي كل مرة كان يحبها أكثر ، ويكتشف مخابئ الجمال الملائكي الخفي بداخلها، وفعلا عشق طهارة قلبها الطفولي…
الفتاة كانت تجثوا على ركبتيها كل مساء وتشكر الله الذي أمن عليها بهذا العريس الذي حسدت نفسها عليه… وكانت تصلي طالبة من الله أن يرزق خطيبها عملاً حتى يستطيعا أن يتزوجا…
سأل أبونا ميشيل وديع مازحاً، وهو يعرف كم وديع يكره رجال الدين: ما رأيك أن تصبح كاهناً في ديرنا الذي يطلب رجالا خريجي جامعات عازبين أو متزوجين ليصبحوا كهنة في الأرياف؟ وضحك الأبونا لأنه كان يعرف جواب وديع مسبقا…
تفاجأ الأبونا تماما عندما قال وديع جادا تعجبني الفكرة، لكن أمهلني حتى أشاور خطيبتي ما رأيها في أن تصبح زوجة كاهن…
وافقت سمر على فكرة خطيبها وقالت بأن الله هو الذي دعاك كي تصبح خادما له، وخدمة الرب هي اشرف وأنبل مهمات حياتنا…
ذهب وديع لدراسة الكهنوت، كان يدرس ويناقش ويفهم، ويزداد عشقاً ليسوع المسيح كلما فهمه أكثر… وكان يقول لا يمكن أن نصبح مسيحيين حقيقيين، إذا لم نفهم المسيح ونلبس رداءه…
تكلل وديع حبيبته، وتمت رسامته كاهنا، وصار اسمه أبونا وديع…
تعين في احدى القرى الجبلية الجميلة حتى يخدم الرعية، ويخدم دير الراهبات هناك…
أبونا وديع جذب الناس اليه في وعظاته المركزة على تفهيم الناس من هو يسوع، لم يكن يهمه الطقس الكنسي، ولا الكتب الكنسية المطبوعة، ولا يهمه الشمع ولا البخور ولا حتى اللباس الكنسي…بل كان همه أن يجعل الناس تفهم دين يسوع…وماذا يريد يسوع منا؟
سمر زوجة الأبونا وديع كانت تتمتع بصوت جميل، اكتشفت الراهبات صوتها الرائع، فطلبوا منها أن تتدرب على التراتيل الكنسية في دير الراهبات حتى تكون مرتلة في الكنيسة، بالفعل اسعدتها الفكرة وشعرت بأن هذا الأمر يعنيها…
بعد ذلك ساعدت الراهبات سمر على تأسيس فرقة كورال في كنيسة القرية…
قرر أبونا وديع والطائفة دعوة المطران إلى عيد الكنيسة وشفيعها القديس مار مطانيوس في السابع عشر من كانون الثاني… بمثل هذا اليوم .
تفاجأ المطران بجوقة الكورال التي خدمت قداس العيد، وبالفعل أذهل بقيادة سمر للفرقة، واتقانها للألحان الكنسية…
كما اعجب بمنجزات زوجها في البلدة.
أحب أهل القرية الكاهن وديع وزوجته اللذان كانا يبذلان كل مجهود في خدمة الأهالي،
جدد ابونا وديع بناء الكنيسة، وأسس روضة أطفال ومدرسة ابتدائية وهو الآن يسعي لتكبير المدرسة لتكون ثانوية كبيرة…
الناس أحبوا هذه العائلة التي يملأ قلبها الحب الحقيقي. الذين يعملون بصمت وبمحبة…
وفهموا معنى الحب والجمال الخفي…

كتب القصة: عبده داود
سورية

شاهد أيضاً

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني كتب : دكتور فوزي الحبال إحتفل السفير الإسباني بالكويت …