الجــدة
…………..
كانوا أهلنا يقولون طلبت روحه الرحمة حين يستذكرون عزيزا فارقهم. .
بالأمس تذكرت قريبة لوالدتي رحمها الله ، كانت مسنة بالعمر في حينها تتردد في زيارتنا بين الفينة والاخرى ، ولها من العينين المستديرتين الصغيرتين وتجاعيد الدهر التي ابلت في محيا وجهها لتترك فيه أسوأ آثاره واسنانها المصفرة المتفارقة من أثر التدخين التي لم تؤثر وقعها علی زوجين من أسنانها المطلية أو المغلفة بالذهب وتلك كانت عادة يفضلها ويتباهی بها نفر من ذاك الزمان الجميل فتفيض كما كانوا يعتقدون سحرا وجمالا علی مبسمهم. .
كانت رحمها الله تقيم لدينا وقتا قد يطول أو يقصر لتكسر من الملل والضجر كلما أقامت فترة طويلة فى مكان واحد لتعود الی قريتها حين يشتاق لفراقها من يحبها ، ودودة طيبة عفوية التصرف تحفظ من الذكريات والقصص الكثير والتي لاتبخل في سردها لمن حواليها كلما انشرح صدرها ودعاها من في البيت ساعة راحته وقبيل النوم الی ذلك(قصص وحكاوي السعلوة والجن وغيرها من التي كان عجائز أهلنا في الماضي يرددونها ساعة الراحة والنوم علی الصغار ليشغلوهم بها لا كما يفعل صغارنا الآن من متابعة للمسلسلات والافلام أو أجهزة الهاتف وبرامج التسلية والترفيه والتواصل الإجتماعية المتعددة) ..
تذكرتها بالأمس وهي جالسة في شرفة طابق بيتنا البغدادي الشعبي القديم الذي تتوسط بناءه باحة مفتوحة ، تلتهم سكائرها الملفوفة أو المصنوعة
محليا لهمآ ولاتكاد تفارق فاها برهة، فكنت حين أعود من مدرستي وانا في بداية مرحلتي الابتدائيه أقف في وسط الباحة مناديا عليها ياجدة أن ترمي علي قطع من النقود التي كانت والدتي رحمها الله تترك مصروفها لديها في محفظة جلدية صغيرة لاتشبه محافظ سيداتنا الجلدية الآن لا من حيث الشكل والموديل ولا الجيوب والسعة كي اشتري بها ممن يجولون بمنتوجاتهم الشخصية من الباعة المتجولين في الأحياء الشعبية ولم أكن اطلبها من جدتي هذه بطريقة السؤال ولكن بالسرعة والحنقة (يالله لا تأخريني انا مستعجل) وبذلك اضيع عليها فرصة التفكير والتدبر وكي لا أثير انتباه من في الدار فألقی من الرفض ما ألقى وأعود عليها كلما مر بائع من قرب الدار حتی تستدرك بأن ما في المحفظة قد خف أو نفذ..
كنت في ذاك العمر لا أبالي بقيمة مصروفي اليومي إن قل أو كثر طالما أن خزانة جدتي هذه عامرة وثقيلة، كان من في البيت يحبها ويزعل لفراقها حين تغادره وما أحلى بساطتها حين تستنجد بمصباح الكهرباء المضيء الأصفر لتقرب إليه سكارتها لأيقادها متوهمه بأنه ذات الفانوس النفطي الذي تقيد منه سكائرها اذا ما تعطل قادحها النفطي ذا الفتيلة المعروف وقتئذ أو نفذ وقوده، لا بل ونجدها ويتذكر اخوتي محاولاتها لأيقاد سكارتها أحيانا من منفذ ضوء المدفئة النفطية للحماية والسلامة الشهيرة بمدفئة علاء الدين في الشتاء حتی تحدث فيه شرخا وهي تظن بسبب ضعف بصرها بأنه فارغا بلا غلاف…
رحمها الله جدتنا(حفصة) وذلك كان اسمها ووالدينا وتلك الايام الجميلة وطيب ثراها وجمعنا واهلنا ومن نحب في نعيم جنانه، هو القادر والمجيب.
والحمد لله رب العالمين
………………………………………………………………
عبد الكريم احمد الزيدي
العراق / بغداد