بقلم الكاتب/ سليم النجار
رغم اختلاف الكثير ممن تناولوا مصطلح السيرة ، وتاهت النقاشات في فخ الجدل العقيم والبعض ذهب أبعد من ذلك واعتبر أن ما تكتبه المرأة ليست رواية بل سيرة ذاتية تعبر من خلالها عن معاناتها المتوهمة ، والأخرون دخلوا في شباك التغريب ، واعتبروا أن المرأة في عالمنا العربي تكتب الرواية تقليدا للغرب ٠
والرواية النسوية في الأردن لم تسلم من تصنيف التغريب أو عدم الإعتراف بها كروائية ، والإصرار على أنها تكتب سيرة ذاتية ٠ وعلى مدار هذا الخلاف يبرز سؤال ملح ألا وهو، ما هي سمات الرواية والسيرة الذاتية ؟.
وكان لا بد من الفصل ما بين الاثنين ، فالرواية لها شروطها في البناء السردي وتسلل الشخصيات ضمن إطار موضوعي وإن كان متخيلا ، وعادة يكون الحدث قلب الرواية ، أي تسيّج انفتاحها على كل تلك المفردات التي سبق ذكرها ، ليتدفق بعد ذلك الموقف الدلالي ، والصورة المتخيلة .
اما السيرة الذاتية لها شروطها الموضوعية أيضاً ، حيث تكون صيغة الأنا هي المهيمنة ، كما أن أسلوب السيرة الذاتية ينزع للبوح وإن كان هذا يعترية القصور في كثير من السير الذاتية لأن ثقافتنا لا تحتمل الكامل ، بل تبحث عن سير للمتعة لا سير تسبر غور السارد أو الساردة ،مع الأخذ بعين الإعتبار أن السيرة الذاتية ما هي إلا خطاب اجتماعي قائم على الذكريات والماضي الجميل وإن كانت بعض المفاصل تحمل بين ثنايا النص منغصات لكن تأتي في سياق صوري جميل ، لا يخضع إلى مساءلة نقدية من قبل كتابة السيرة ٠ وتخرج السيرة من عباءة الذكريات وثقافتها ، إلى عَقْل أو عِقال الماضي ٠
لا بد من التمييز بوضوح عند التفريق بين الرواية النسوية وكتابة سيرتها رؤية الصراع بين ماذا تريد الكاتبة ؟ وأسباب الصراع وبواعثه ٠ ومن ثم لإدراك الرؤية لا بد في هذا المضمار من توسيع دائرة القراءات النقدية لهذا الخلاف ، لا الركون إلى تعريفات غربية وتطبيقها حرفيا على إبداعنا سواء كانت رواية أو سيرة .
إن شيوع صور الروح للخلافات في إبداعنا النسوي أفقدنا الكثير من الجوانب الروحية التي هي نتاج طبيعي للإبداع ،وكما أفقدنا الكثير من العناصر الإبداعية ، لأن هناك ستجد الكثير من النصوص الروائية تخلط بين السيرة والرواية ، ليس على أساس توظيف فن السيرة في بناء نص روائي متميز ، بل يأتي في إطار البوح والرواية هنا تكون غطاء هذا البوح ، حتى لا تقع المرأة – الروائية في قفص الاتهام على أنها خارجة عن عادات وتقاليد مجتمعها .
وهذا التكيف السلبي الخامل ارتبط بمفهوم الخلاف الأزلي في التوصيف ، على أن هناك رواية نسوية أو سيرة ذاتية نسوية ، ومن ثم فإن مسار الخلاف ينحو اتجاه الإقصاء أو الإلغاء لحق المرأة من الكتابة ، نحن أمام ثقافة عنصرية لا تعترف بإنسانية المرأة ولها الحق في التعبير عن موهبتها ووعيها ٠ وبالتالي الهيمنة الشاملة عليها من قبل ثقافة ذكورية مقيتة ٠
هنا نكون فعلاً إزاء ” غزو ” ذكوري يتخلق الإشكالات التي تتأتى على شكل ولادة قيصرية افتعلتها رؤية ذكورية ، ترى في ولولج المرأة الكاتبة أنها تُزاحمه على عرشه الذي صنعه من تاريخ مرير كانت المرأة ضحيته بالدرجة الأولى ٠ ولأن هذه المعطيات التي تقدمها الثقافة الذكورية في كثير من الحالات هي حالات دعائية تُروج إلى أن المرأة لا تستطيع كتابة الرواية أو حتى السيرة الذاتية ٠ فليس المسألة خلافية أو إشكالية كما حاولت الثقافة الذكورية تسويقها ، بل هي محاولة تهميش المرأة ، وإعادة صياغة تاريخ الإنسان على أساس جنسوي ، لا أكثر ولا أقل ٠
وما نقوله هنا لا يدخل في إطار النظرة التشاؤمية واليأس ، بقدر ما يعبر عن واقع الحال ٠ ولعل أقصى حالات التشاؤم هي بداية التفاؤل ، ولكن شريطة توفر ثقافة إنسانية تنويرية ٠ تسعى لتشكيل وعي إبداعي فعال قادر على الإنتقال من المفعول به المتشكل من ماضي بائس إلى الفعل الحاضر ٠ لا تنزع في جوهر ممارستها إلى نزع الإنسان من ذاته أكثر مما يجب لتحيله إلى ذات مفارقة لجوهرها ، ذات مقلوبة يغدو صاحبها ناطقاً بما يتجاوزه ويهمه ، ليغترب عن ذلك ذاتياً ٠
من الواجب في هذا الإتجاه ، أن يتم التنبيه إلى الفكرة الزاعمة بأن المرأة تكتب أثناء مواسم البوح ، المعروفة أو المتعارف عليها بفعل التجربة الذكورية ، وبالتالي هي نسخة كربون عن تلك التجربة ٠
إذاً نحن لسنا أمام إشكالية أن المرأة تكتب رواية أو سيرة ذاتية ، بل أمام سؤال : هل المرأة إنسان لها من حظوظ الدنيا أن تبدع ؟سيبقى هذا السؤال مثار جدل شبه دائم ٠