Oplus_16908288

“أنا و تراتيل الغياب “

“أنا و تراتيل الغياب “

في البدء ، كان الصمت ومن الصمت خرجت الكلمات 

ومن الكلمات خرج الحب ومن الحب خرج الوعي

أنا طارق :

ترتيلة ١ : أنا لم أكتبك 

(الضوء خافت ، صمت كثيف ، 

ثم صوت أنفاس تتناثر في الظل)

أتعرفين ؟

كل الطرق التي مضيتُ فيها بحثاً عنكِ

كانت تنتهي بي إلي 

أنا الممرّ الذي لم يجرؤ أحد أن يمشيه

أنا صدى الخطوات التي لم تُخلق لها أرض

كنتِ عيني التي أرى بها العالم

ثم غِبتِ ، فأصبح العالم بلا ملامح

وأصبحت أنا مجرّد ظل

 يذكّر نفسه أنه كان يوماً رجلاً يرى

تقولين لي : ” انسني “

وكيف أنسى ما يشتغل بقلبي أكثر من نبضه؟

كيف أنسى من تسكن بين الضربة والضربة

في التوقيت الدقيق لانكسار الحب ؟

لو علمتِ ما تفعلين بي حين تبتسمين

لأمرتِ الغيوم أن تُطفئ نفسها

خشية أن يغار الضوء من فمك

أمد أصابعي نحو الغياب

فيلامسني وجهُك من جهة الروح

هل تصدقين؟

حتى الغياب صار جسداً حين لبسَ ملامحك

يا امرأة جعلتني عاشقاً أعمى

يرى بالنارِ أكثر مما يرى بالعين

هنا ، في منتصف الليل

ينبتُ من صدري ناي من وجع صاف

كل نغمة فيه تناديكِ بالاسم الذي لا يعرفه سواي

وإن مرّت الروح بكِ صدفة فامنحيها نظرة

فقد تاهت عن بيتها منذ رحيلك

 

ترتيلة ٢ : نشأة الوجد

قبل أن يوجد اسم ، كانت هناك رعشة

ارتجاف صغير في جوف الصمت

قالت عنه الكواكب : ” إنها بداية الشعور”.

ومن تلك الرعشة خُلقتِ أنتِ

كنت أتأمّل الوجود كما يتأمل طفل نجمته الأولى

لا أريد أن ألمسها ، بل أن أصدق أنها تراني

هكذا بدأ الحب ، لا كحاجة 

بل كوعيٍ بأن شيئًا في الخارج

يكمّل ما لم يكتمل في الداخل

يا أنتِ ، يا نسغَ السؤال ،

يا سببَ انحناء اللغة أمام العاطفة ، أتعلمين؟

كلّ ما في كان يبحث عنكِ 

حتى قبل أن يولد حرف “أحبك”.

لقد جئتِ من جهة لا يعرفها الجسد

جهة تخرج منها الأرواح حين تنسى أن لها حدوداً

كنتِ لستِ أنثى

كنتِ المعنى الذي نسيه الكون حين اكتمل

اللحظة التي يتذكّر فيها الوجود سببَ نوره

الوجد يا سيّدتي ليس أن تشتاقي

بل أن تشعري بأنكِ فقدتِ نفسكِ في كائن آخر

وأنكِ ما عدتِ تملكين حق العودة

من هنا ،

بدأت أتعلم اللغة من فم الغياب

وأصبحت أكتب كي أرى ، وأرى كي أؤلم ، وأؤلم كي أكون

الحب هو طريقة الكون في تذكيرنا أننا زائلون

وأن كلّ قُبلة نمنحها

هي محاولة لإنقاذ لحظة من الفناء

كنت أظن أنني أحببتكِ لأنكِ جميلة

ثم أدركت أنني أحببتكِ لأنكِ جعلتِني أرى الجمال نفسه

لم تكوني مرآتي ، كنتِ الضوء الذي جعل المرآة ممكنة

 

ترتيلة ٣ : الغياب كيقين

كنت أظن أن الغياب موت مؤقت

حتى اكتشفت أنه شكل آخر من الحضور

حضور بلا جسد وصوت بلا نطق

ظل يكتب على جدار الذاكرة أن : 

” الوجود لا يحتاج إلى شكل ليكون حقيقياً “

الذين يغيبون لا يرحلون ، بل يتحوّلون إلى معنى

إلى طيف يسكن المفردات التي لم نقلها بعد

حين غبتِ ، لم تفقدكِ عيني ، بل رأتكِ أعمق 

من خلف الضوء ، حيث لا تُرى الأشياء ، بل تُشعَر

الغياب ليس ضدّ الوجود ، بل هو نُضجه

هو الوعي الصافي بأن كل ما نحب محكوم بالتحول

أنا لا أفتقدكِ يا حبيبتي ، بل أتعلمكِ في غيابك

فالحب لا يُحفظ في العناق

بل في الصمت الذي يبقى بعده

الغياب هو امتحان الوعي ،

حين تُجبر الروح على أن تواصل الحُب

دون أن تلمس سببه

 

ترتيلة ٤ : المرأة كفكرة كونية

في البدءِ كانت المرأة ، لا حواء ،  

هي أول إجابة سؤال جميل 

بها إنفجر الكون في وجه النور

المرأة ليست نصف العالم

بل هي ذاكرته ، هي التي تحفظُ المعنى 

حين ينسى الرجل السبب

هي التي تمسك خيوطَ الفوضى لتغزل منها نظاماً

ثم تبتسم كأنها لم تفعل شيئاً

المرأة ليست أنثى ، بل تذكير دائم

 بأن الكمال لا يُكتب بالحروف

بل يُحَسّ بالوجود

كل ما يُوجِع الرجل في حبّه ، ليس الحنين إلى امرأة

بل الحنين إلى الله كما رآه أول مرة في عينيها

 

ترتيلة ٥ : الخلود عبر العشق

كنتُ أظن أن الحب طريق إلى الآخر

حتى اكتشفت أنه طريق إلى الخلود

كل حب حقيقي يحمل في داخله سر البقاء

لأن العاشق حين يحب لا يرى الفناء كخطر

بل كعبور إلى شكل آخر من الوجود

العشق يا هي

هو جنون القلب حين يعجز العقل 

وهو الصحو العظيم الذي يأتي بعد احتراق الذات

الحب وحده يجرؤ أن ينافس الموت

ثم ينتصر عليه بالحنين

 

ترتيلة ٦ : ما بعد الصمت

لم أعد أبحث عنكِ يا حبيبتي

لقد صرتُ فيكِ وصرتِ في 

وصار الفاصل بيننا مجرد اسم قديم للعزلة

أنا الآن لا أراك بعيني

بل أراكِ بما تبقى من الضوء في روحي

فمن أحب إلى آخر النفس ، يُخلق من جديد بلا جسد

العشق يصبح فلسفة ، والعاشقان يصبحا

ن رمزاً للخلود

كل حب صادق هو الخلود نفسه

فكل نهاية هي بداية أخرى للحب

وكل حب يولد وعياً جديداً للوجود

تمت

طارق غريب

شاهد أيضاً

بروتوكولات آل صهيون

بروتوكولات آل صهيون بقلم الأديب المصرى  د. طارق رضوان جمعة    هناك قرابة حميمة بينك …

” أنا وقيس وعنترة “

” أنا وقيس وعنترة “ ‘ ثلاثة مجانين وأنثى لا تُرى ‘ (الخشبة مظلمة . …