أفكار بصوت مرتفع
زينب كاظم
سنتطرق في هذا المقال على موضوع مؤلم جدا و الاعلام يتكتم عليه احيانا رغم كثرة عدد الضحايا ومن مختلف الطبقات المجتمعية الا وهو موضوع الإنتحار، وقد قمنا بدراسة وتحليل تفصيليين للموضوع لكن لم نعرف اسباب محددة ومنطقية لذلك، لكن سنتناول هذا الموضوع الحساس،
وسنقوم بمقارنة بين جيل الطيبين والجيل الحالي (وسنذكر امورا اخرى) ، لأن الانتحار طال الجيل الحالي من الشباب والمراهقين بنسبة كبيرة جدا خاصة خلال العقد الأخير وشمل كل الطبقات ، فهناك الشباب المترفين و المرفهين ماديا والمثقفين دراسيا ومنهم أطباء وخريجين، وهناك الشباب الفقراء ماديا و البسطاء دراسيا وهذا يثبت ان سبب الإنتحار ليس مادي او سببه الجهل فقط،
هناك كلمات او جمل كنا نسمعها منذ الصغر واثرت فينا بعمق
مثلا من يقول سوف انتحر او ارمي بنفسي من مكان مرتفع يقولون له بكل سخرية وتهكم سوف تصاب بكسور وشلل ولا تموت وكانوا يقولون لمن يقول سوف أحرق نفسي ستفقد جمالك وتتشوه وتتعذب وتتوجع ولا تموت،
وكانوا يقولون على من أنهى حياته انه مات على الكفر، ودوما كانوا يرددون أجدادنا الآية القرآنية الكريمة (ان مع العسر يسرى) وهذه الآية الكريمة تعطينا امل انه بعد الشدة يأتي الفرج الإلهي، وكذلك كانوا يكررون الروح عزيزة،
فتربى جيل الطيبين على الإيمان والصبر والخوف على النفس والخوف من الله وعقابه والأهم تعلمنا على الإيمان
لذلك احيانا نجد إنسان بلغ من العمر الستين او السبعين يقع بإزمة ما ينتظر الفرج وتيسير الامر وله امل كبير بالحياة بناء على ما تربى عليه وعندما تنتهي الازمة يشكر ربه ويقلب صفحة ويعيش كل لحظة من حياته بتفاءل وينظر إلى الجانب الجيد والإيجابي من الحياة قد يكون هذا الجانب حفيد او مهنة او حرفة او نجاح ما ويعلم ان اعمارنا بيد الله عز وجل ويسأل الله حسن الخاتمة ورضاه،
اما الجيل الحالي يعشق الحياة الزائلة بل يعبدها كآلهة وعندما تخونه الحياة يندفع للإنهيار والتعب النفسي وقد يلجئ للإدمان او الإنتحار ونتيجتهما واحدة بكل تأكيد، بل ويتفننون بطرق الإنتحار فمنهم من يرمي نفسه من أعلى ارتفاع ومنهم من يحرق نفسه ومنهم من يتناول كميات كبيرة من العقاقير والادوية وغيرها وغيرها دون الخوف من العواقب واحيانا تكون الأسباب تافهة لا تليق بحجم الفعل هذا،
وانا عندي تجربة شخصية سأحاول ادراجها بإختصار،
عندما كنت بالجامعة سقط نظام الحكم بالعراق وعندما شاهدت الدمار ورأيت بعض الناس يسرقون وطنهم اصبت بالصدمة بالإضافة إلى الكثير من التجارب الأليمة التي تخص التعامل مع بعض الناس المتعبة ورحيل والدي وغيرها وغيرها، صار عندي نوع من الكآبة والوسواس القهري، كذلك انا من نوع البشر الذين يقلقون على اي حدث وعندي حرص على دراستي وعلى بلدي وعلى كل شى وابكي واعاني من اي كلمة، وبعد الزواج استمرت الحالة لكن عشقي لبيتي وللإمومة جعلني استمر بالعطاء والتضحية، وفي مرة صار عندي اجهاض فكانت الصدمة قوية، وكانت ولادتي لأولادي لاتتم الا بعمليات جراحية قيصرية اليمة فعندما انجبت احد اولادي كانت عملية مؤلمة وخطرة فكانت تجربة قاسية جدا، وبعدها وبمشيئة الله عز وجل اراد الله ان يرزقني بطفل آخر لكن تجربتي الموجعة جعلت حالتي النفسية تسوء جدا فلو قيل لي ارسمي الحالة التي مررت بها لرسمت نفسي في حفرة مظلمة تبعد مئات الكيلو مترات عن سطح الأرض ويصلها كمية من الاوكسجين بنسبة قليلة تجعلني على قيد الحياة فقط وامامي تمر الاف المشاهد المرعبة والسيناريوهات المختلفة وأنا حامل وخائفة ومن يحبونني يدعون لي بالشفاء واحيانا يتمنون لي الموت رحمة بي او يعطونني طرق للتخلص من الحالة او يكتبون آيات وادعية لتخف الحالة وهناك من الغرباء الذين اراهم في عيادة او مكان عام ينصحونني بالتماسك ويحادثونني بكلام منطقي مثلا هذا رزق من الله وكل النساء يلدن وكلنا لدينا نساء قمن بعمليات قيصرية وخرجن بالسلامة، أما من يكرهونني فكل انسان لديه من يحبه ولديه من يبغضه فلا يكترثون لوضعي ويوصونني بأولادي وزوجي ويتهمونني انني مأذيتهم بسبب وضعي رغم ان سبعين بالمائة من الحالة لا أظهرها لهم كي لا اؤثر عليهم واعاني بصمت واقوم بواجباتي البيتية بكل تفاني رغم كل الضغوط و الالام وبرغم اني مسؤولة عن روح داخلي واخاف عليها ولم افكر ان اجهضه خوفا من عقاب والله ولااريد ان اكون مجرمة والكثيرون قالوا عني انني احتضر وبنظرهم لم يعد هناك انسانة بهذا الاسم، ومن السيناريوهات التي كانت تطاردني في كوابيسي هي مثلا أرى والدتي تقيم عزاء وتستقبل الناس ومنهارة وتبكي لأنها فقدتني او ارى الطبيبة او الممرضة تخرج لزوجي ووالدتي وتقول فقدنا الام بالمهنية الباردة المعهودة بعد كل هذا العناء وكل هذا العطاء في الحياة او ارزق بطفل يعاني من شئ ما لا سمح الله، ولم افكر رغم الحالة النفسية المزمنة واؤكد على كلمة مزمنة لأنها خارجة عن ارادتي وهي حالة مرضية لا عليها درجةالإيمان او غيره من الامور ان انتحر!!! بل حتى ان جاءت هذه الفكرة اللعينة على بالي استحالة انفذ لأنني اريد رضا الله ولاريد ان اموت على الكفر والعياذ بالله،
وكنت ازور الطبيبة مرات عديدة ومتقاربة من شدة الخوف والقلق وتهدأني وتقول ستلدين طفلا جميلا بملامح اوربية لا تخافي، وبعد ان جاءت موعد الولادة ذهبت للمستشفى بالرعب المعهود و بالفوبيا الشديدة من الدم ورائحة المستشفيات لكن دخلت بالتوكل على الله ورزقت بولدي الاخير اخر العنقود اسميته (ياسين) على اسم سورة ياسين من القرآن الكريم وجاء بملامح اوربية كما وعدتني طبيبتي والحمد لله ورغم صعوبة العملية وصعوبة التربية والامومة فأنا فخورة بنفسي لأني مثل طائر العنقاء الاسطوري الذي نهض من بين رماده المحترق ليعود من جديد ويفرض جناحيه ويحلق ويهب للغير دفئه وحنانه والحمد لله فوراء كل عقدة انفراجة وهذا وعد الله لعباده،
لذلك فكرة الانتحار فكرة تدل على تفاهة منفذها لأن الانسان القوي من يتحمل ضغوط الحياة وصعوباتها ويكمل رسالته ومسيرته ليرضي ربه ويرضي ضميره.
