بشار الأسد: من مُدّعي الوطنية إلى الهروب والاختباء..
قراءة في نبوءة تحقّقها الأيام..
في أغسطس (آب) من عام 2012، خرج بشار الأسد ليُطلق تصريحًا أثناء مقابلة معه، أتى كتعريف ذاتي مخفي بملامحه المستقبلية عن نفسه، حين وصف أنّ الشخص الذي يهرب من وطنه في عزّ أزمته “ليس وطنيًا”، بل جعله ” جبانًا أو فاسدًا أو مرتشيًا”، كلمات ألقاها الأسد ليعزّز صورته كحاكم متجذّر في السلطة، متمسك بالبقاء مهما كانت الظروف، إلا أنّ القدر، والأحداث المتسارعة التي رافقت حكمه، جعلت من هذه الكلمات مرآة تعكس حقيقته وحقيقة مسارٍ كان يبدو بعيدًا حينها، لكنّه تجسّد على أرض الواقع في ديسمبر (كانون الأول) 2024، عندما أفادت التقارير بأنّ الأسد قد فرّ هارباً من سورية إلى روسيا، مختبئًا بعد أن ضاقت به سبل البقاء في سوريا.
وبرز التناقض بين أقواله والفعل الذي قام به، ليأتي تصريحه في عام 2012، وهو رسالة مباشرة لكل من عارض نظامه أو فكّر بالهرب من دوامة الحرب، التي تحوّلت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، ولم تكن كلماته مجرّد وصف للآخرين، بل كانت أشبه بتحدٍ اعتقد أنه لا يمكن أن ينطبق عليه، إلا أنّ المشهد السياسي بعد 12 عامًا بدا مختلفًا تمامًا؛ فقد وجد نفسه في الموقف ذاته الذي انتقده واحتقره يومًا، وقد وصف ذاته وعبّر عن أخلاقه وقتها واصفا نفسه بتلك الصفات في الجبن والفساد والرشوة والخيانة، وسنفرد لكل منها جزءاً خاصاً من البحث، ليأتي الهروب إلى روسيا في ديسمبر 2024، وقد كشف عن تحوّل جذري في وضعه. والنظام الذي بَناه من القمع، والذي صمد خلال سنوات الحرب بفضل دعم حلفائه كروسيا وإيران، لم يعد قادرًا على تأمين وجوده في بلاده، ليكون الهروب الذي وصفه الأسد ذات يوم بالجبن، أضحى خياره الوحيد بعد أن انقلبت الظروف عليه، فيغدو منقلباً من الرئيس المقاوم إلى اللاجئ وبصورة أدق إلى مطلوب وسيكون قريبا خلف قضبان المحكمة الدولية أو السورية، وستبيعه روسيا بعد الاستيلاء على الأموال التي نهبها نتيجة فساده وخيانته وطنه، فمن يخون وطنه لا يُؤتمن جانبه، إذ يمكن أن يخون غيره، وقد عُرفت تلك الخيانة منذ عهد الأب بعد أن باع حافظ الجولان وتنازل قبله جد بشار مع فئة تماثله لواء إسكندرون، وأسهمت تلك الأسرة بنهب ثروات سورية وعدم إدخالها في الميزانية العامة، وهو ما أشرت إليه في مقالات وأبحاث سابقة منشورة.
وإنّ الهروب إلى روسيا لا يمكن تفسيره إلا كإعلانٍ صامت عن نهاية دوره كرئيس، فبقاء الأسد في الحكم كان دومًا مرتبطًا بدعم خارجي، لا سيما من روسيا، التي وفّرت له الغطاء العسكري والدبلوماسي خلال أصعب المراحل، ومع تغيّر المعادلات الإقليمية والدولية، بات واضحاً أنّه لم يعد قادرًا على تأمين مكانه حتى داخل دائرة نفوذه.
والفاسد بشار الأسد الذي تحدث في عام 2012 عن الجبن والفساد، أصبح رمزًا حيًا لتلك الكلمات، فهروبه لم يكن مجرّد مسألة شخصية، بل هو انعكاس لحالة نظام تداعى بأكمله، ففي الوقت الذي حَمّل فيه السوريين مسؤولية البقاء والصمود، لم يتمكن هو نفسه من مواجهة مصيره داخل حدود بلاده.
ولعلّ قراءة في المستقبل، ودروس من نبوءة متحقّقة، جاء
تصريحه في عام 2012 ليغدو اليوم مثالًا على مفارقات الزمن، والكلمات التي أطلقها لتشويه صورة معارضيه عادت لتلاحقه، وتصبح رمزًا لفشل نظامه في البقاء، وهذا الحدث يُبرز حقيقة مفادها أن الأنظمة القائمة على القمع لا يمكنها الاستمرار إلى الأبد، وأنّ الحكام الذين يتجاهلون مطالب شعوبهم لا بدّ أن يواجهوا المصير ذاته: الهروب أو السقوط، ولذكائه المعدوم وتخبّطه الواضح في السياسة وانعدام الفكر الإيديولوجي والسياسي الاستراتيجي، كان يتصرّف بغباء لا مثيل له منذ ماقبل الأزمة عندما وصف بعض القادة العرب بأنصاف الرجال، وهو لم يتعظ من التاريخ عندما تحدّث القذافي بكلمات مشابهة، وتمّ قصف منزله قبل اندلاع الثورة في ليبيا، فغابت الحكمة عنه، وهذا ما أشرت إليه أكثر من مرة عن غياب الحكمة في سورية.
وإنّ الهروب إلى روسيا يمثّل نهاية مرحلة للأسد الفار الجبان الخائن وبداية أخرى، قد تكون بعيدة عن السلطة، لكن قريبة جدًا من الحساب والمحاكمة، وسننتظر قادم الأيام وسنراه خلف القضبان ذليلا وضيعا في اجمل صورة يستحقها.
بقلم الباحث الإعلامي والسياسي:
أ. نبيل صافية .