سوق الذهب

سوق الذهب

شهد سوق الذهب العالمي في الاسابيع الاخيرة ارتفاع في الاسعار غير مسبوق  بشكل غير اعتيادي وغير مبرر حيث تجاوز سعر الاونصة في السوق العالمي  في الاسابيع السابقة 2391 دولار للاونصة  ويعتبر هذا الرقم سعر خرافي غير متوقع من جميع المحللين وبدات حالة عدم الاستقرار من بداية مارس 2024 ومنذ هذا التاريخ والارتفاع لا يتوقف والذي انعكس بالطبيعة علي سوق الذهب المصري الذي ظل في حالة الارتفاع المستمر حتي توقف هذا الارتفاع منذ ايام وبدات حالة الاستقرار ثم الانخفاض وقد سجلت سعر اونصة الذهب العالمي  حتي كتابة هذا التقرير 2315$ للاونصة وسجلت الاسعار التالية في مصر  حتي كتابة هذا التقرير  :-

عادة ما يحدث الارتفاع في اسعار الذهب بسبب الاحداث العالمية الكبيرة مثل الكورونا او الحرب الروسية الاوكرانية  وهذا ما يسبب حالة الاندهاش والتخبط بين المحللين وخبراء الذهب حيث انه لا يوجد مبررات لهذه الارتفاعات المتتالية فمثلا في بداية مارس الماضي كان سعر اونصة الذهب 2055$ وبعدها باربعة ايام ارتفع الي 2100$ ثم واصل الارتفاع  الي 2200$ في 20 مارس الماضي وافاد الخبراء والمحللين ان سوق الذهب سوف يصحح نفسه في خلال الايام التالية وبالفعل صحح سوق الذهب نفسه في 22مارس الماضي  وانخفض 40 $ ولكن المفاجاة كانت عكس كل التوقعات حيث عكس سعر الذهب اتجاهه سريعا ووصل الي 2300$ للاونصة ثم استمر في حالة الارتفاع المستمر والمتتالي حتي وصل الي  2391.93 $ للاونصة وقت كتابة هذا المقال .

اما الاغرب والاعجب انه مع ارتفاع اسعار الذهب يحدث ارتفاع ايضا في سعر الدولار الامريكي وذلك لان العلاقة بين سعر الذهب وسعر الدولار علاقة عكسية بمعني انه عند ارتفاع سعر الذهب ينخفض سعر الدولار والعكس صحيح فهذا مؤشر علي ان هناك تغيير في الاوضاع بشكل او باخر

فتوجهنا الي المحللين والخبراء في سوق الذهب للبحث عن سبب محدد لحالة عدم الاستقرار فكانت اجابة الخبراء انه لايوجد سبب محدد ولكنهم توقعوا ان احد هذه الاسباب وليس السبب الرئيسي هو

 الاقتصاد الصيني : –

في شهر فبراير 2024 خفض البنك المركزي الصيني من سعر الفائدة محاولا انقاذ الاقتصاد من حالة  الانكماش او انخفاض الاسعار التي يعاني منها فترة طويلة (deflation) واحد اهم اسباب انخفاض الاسعار في الصين هو السوق العقاري فمن المعروف ان الصينييين هم اكثر شعوب العالم اقبالا علي شراء العقارات كاستثمار أمن وليس من اجل السكن ف 80% من ثروات الاسر الصينية هي ثروة عقارية ونتيجة لزيادة المعروض من المنازل الجديدة حدث انخفاض طبيعي في سعر المنازل مما سبب انخفاض الاقبال علي شراء المنازل الجديدة  لخوف الصينين من فقدان اموالهم بالتالي الشركات العقارية عجزت عن تسليم الوحدات المتفق عليها وبالتالي عجزت عن تسديد الديون للبنوك هذه الازمة العقارية في الصين سببت حالة انخفاض الثقة في السوق العقاري بين الصينيين مما قللت الاقبال علي شراء المساكن الجديدة وفي محاولة من الشركات العقارية لعلاج الازمة تسابقت الشركات لخفض اسعارها ولكن هذه المحاولة زادت الطين بلة وسببت تفاقم لللازمة لان العملاء زاد خوفهم  علي اموالهم وانخفضت ثقتهم اكثر مما جعلهم يبحثون عن ملاذات استثمارية اخري اكثر امانا مثل الاسهم والسندات او الذهب ولكن الصينيين وجدوا ان سوق الاسهم قد خسر 6 تريليون دولار تقريبا في السنوات الاخيرة فاصبح البديل الوحيد هو الاستثمار في الذهب .

فخلال عام 2023 استهلك الصينيون 1090 طن من الذهب منها 706 طن مجوهرات ومشغولات ذهبية و300 طن سبائك وعملات ذهبية وبمقارنة حجم استهلاك الصينين في عام 2023عن الاعوام السابقة فهو اعلي ب 16%  والغريب ان جزء كبير من مشتري الذهب هم من فئة الشباب برغم انهم لا يستطيعون شراء سبائك او عملات ذهبية لانهم مازالو في بداية حياتهم المهنية فقام سوق الذهب الصيني بتوفير حبوب ذهبية صغيرة الحجم وزن الحبة 1 جرام ويشتري الشباب والطلاب او المواطنين هذه الحبات كل طبقا لقدرته الشرائية

حتي ان الحكومة الصينية نفسها نهجت نفس النهج خاصة بعد ما قامت امريكا  وحلفائها بمصادرة الارصدة  الدولارية الروسية عند اشتعال الحرب الاوكرانية قامت الحكومة الصينية  بشراء كمية كبيرة من الذهب  وذلك علي حساب السندات الامريكية والرصيد الدولاري الضخم لديها وقد سجلت صافي مشتريات بنك الشعب الصيني 225طن من الذهب وهو اعلي كمية تشتريها الصين منذ عام 1977 خاصة ان هذه الارقام هي فقط المعلنة .

الدولار ليس العامل الوحيد المؤثر في سعر الذهب

بناء علي هذه الاحداث يتضح ان الدولار ليس العامل الاكثر تاثيرا علي سعر الذهب وهنا ننتقل الي الاداه الثانية المؤثرة في سعر الذهب هو اسعار الفائدة الامريكية حيث قام مجلس الاحتياطي الفدرالي برفع سعر الفائدة 11 مرة منذ مارس 2022 ووصلت الي اعلي مستوي منذ 22 سنة واخر ارتفاع كان في يوليو 2023 وقد ثبت الاحتياطي الفدرالي الفائدة منذ ذلك التاريخ في حدود من 5.25% و 5.50% ومن المفروض ان هذه النسب تأخذ اسعار الذهب الي منحني هابط ولكن بشكل او بأخر ينتظر جميع المتعاملين قيام الفدرالي الامريكي بتخفيض اسعار الفائدة حتي يستطيع السيطرة علي التضخم وقد اشار الفدرالي الامريكي انه من المتوقع خفض الفائدة خلال عام 2024 ولكن يصعب التنبؤ بتوقيت هذا الانخفاض وفي حالة قيام  الفدرالي الامريكي بتخفيض سعر الفائدة سوف يتحول مستثمري السندات الامريكية لاستثمار اموالهم في الذهب ونتيجة لهذا الاقبال للاستثمار في الذهب ستكون النتيجة ارتفاع في اسعار الذهب  .

    بشكل عام لا توجد اسباب واضحة ومحددة تبرر هذه التحركات العنيفة لاسعار الذهب  ما بين الصعود والهبوط ولكن المثل الشعبي يقول ( ياخبر النهاردة بفلوس بكرة هيبقي ببلاش )بمعني انه في الغد سوف تظهر الاسباب الرئيسية لهذه التحركات    .

                                                                                                           بقلم

                                                                                                         محمد نصار