أنشر أو إنتهي
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
المثقف شمس ثانية للحضارة:
الحديث عن الكتابة ودور المثقف يقودنا إلى المقولة الأمريكية المشهورة” انشر أو انْتَهِي”(أي أنشر او مُتْ)، وبالنسبة لي الأمر بسيط للغاية، فإذا كان المثقف غير مستعد للنشر سواء على المستوى الأكاديمي، أو للرأي العام، فعليه الإنسحاب، والإعلان على أنه لم يعد قادراً على الكتابة، أما إذا كان لا يزال على رأس عمله فالإستمرارية مطلوبة، بغض النظر إذا كان قد مرّ من عمره الكتابي ثلاثة أو أربعة عقود، والأكثر من ذلك عليه أن يتفاعل مع الحدث اليومي في المجتمع، وفي الوسط الأكاديمي (بحوث، مؤتمرات، ندوات، محاضرات.. إلخ)
من ناحية أخرى، فإن القول بتجربة في الكتابة لمدة ثلاثة أو أربعة عقود، ثم يظل صاحبها جالساً لا يحرك ساكناً، فهذا بالنسبة لي عيب، هنا وجب توضيح مسألة هامة، وهي: أن الكاتب لا يتقاعد بتقدم العمر لأن الثقافة ليست وضيفةحكومية، وأمامنا شواهد حية فمثلا الكاتب الأمريكي:” نعوم تشومسكي”، اقترب من المائة عام( من مواليد 7 ديسمبر 1928م)، ومع ذلك لا يزال يشارك في الندوات والمؤتمرات، ويكتب المقالات، ويحلل الحرب الروسية ـ الأوكرانية، وهذا يعني أن المثقف ما دام على قيد الحياة، وقادراً عن العطاء فعليه ألا يبخل على القراء أو المشاهدين، خاصة إذا كانت لديه معلومات، وإن لم يفعل ذلك فهو بالنسبة لي مجرم، ذلك لأنه في هاته الحالة هو أسوأ بكثير من الجاهل.
وفي سياق الحديث عن دور المثقف وعلاقته بالعمر، فأنا أعرف باحثين وعلماء وأساتذة في الغرب، تجاوزوا التسعين ومع ذلك لهم حضورهم البحثي والأكاديمي والكتابي، ويؤسسون نظريات، ويشاركون في الندوات والمؤتمرات.
نحن هنا نتكلم عن قضية مهمة جدا على النحو الذي تحدث عنه المفكر الإيطالي” أنطونيو غرامشي”( 1891 ــ 1937م) عن المثقف العضوي، وهي: إذا كنت مثقفا ولا تقدم شيئا لأمتك، لبلدك، لمجتمعك، فأنت هنا تعتبر مجرماً، وكل مثقف يملك معلومة علمية ـ صادقة وحقيقية يمكن أن تفيد الناس ويخفيها عنهم فهو مجرم، كما أنّ عليه ألا يُسيّس المعلومة الثقافية أو العلمية، فمثلا لو تكلمنا عن الذكاء الاصطناعي والعلاقات العامة، يمكن إعطاء معلومات عامة حول الكيفية التي يتم من خلالها الاستفادة من ذلك في تقديم خدمات يومية للمجتمع عبر الممارسين للعلاقات العامة، هذا ليس فيه أي خطر من نشر المعلومة، ولا ترتب عليه أي مسؤولية لصاحبها.
إن أكثر ما في أذهان العلماء بعيد عن السياسة والأيديولوجيا، فمن يلجا إلى السياسة والأيديولوجيا هم أصحاب القرار والمال، وهم الذين يلوثون العلم والمعرفة.
بناءً عليه وبناء علي ماسبق، نرى أن أزمة الأمة العربية تكمن في الفئة المثقفة، التي لم تقم بدورها كما ينبغي، وهي بالأساس أزمة مشتركة بين المثقفين والأنظمة، وكثيرا ما تسببت هاته الأخيرة في أزمة المثقفين، ما يعني وجود تداخل وجدلية بينهما.
إذا فما مركز وماهي مكانة المثقف العربي وسط كل هذا
ليكن في علم الجميع أن ثقافة الإنسان العربي ولدت منْ رحِم المقاومة – مقاومة طبيعة الصحراء، ومقاومة شراسة الأعداء – ثمّ تعمّقت وتوسّعت وتطوّرت بثقافة الإسلام التي تشكّلت بدورها من مقاومة الشرّ بكل أنواعه، سواءً كان ذلك الشر داخل الذات أوخارجها ، في عالم الشهادة أو في عالم الغيْب … ومع تتابُع الليل والنهار وتوسّع الأفق الحضاري؛ اكتسبت تلك الثقافة المقاوِمة تجربة كبرى وتراكُما تاريخيا حين إدارة الصراع الدموي خلال القرون الأخيرة أثناء التصدّي للحملات الصليبية الشرسة ثم طيلة الصدامات الثورية ضد الاستعمار الصليبي الإمبريالي الهمجي القائم إلى يوم الناس هذا … من هنا؛ كانت الثقافة العربية الإسلامية وستبقى ثقافة مقاومة بالأساس … فالإنسان الحامل لهذه الثقافة البطولية لا يرضى بالذلّ والتبعية، ولا يسكتُ عن الفساد والظلم، ولا يقبل بالعبودية لغير الله تعالى … ومن فعل من العرب وإخوتهم في العقيدة ما فيه مذلّة وما يجري مجراها؛ ففهمه للثقافة العربية الإسلامية فهْم ضيّق، مسطّح، مبتور عن اللبّ الجوْهري، إن لمْ يكنْ منعدماً تماماً … فمتى نفهم أنّ ثقافتنا نظامٌ معرفيّ مقاوم للجور والفجور والشرور، توجد فيه حرّية الوجود في أعلى مستوياتها وكمال إنسانية الإنسان في أبهى تجلياتها، وليس مجرّد قشور لا تسمن ولا تغني من جوع ولا تحمي ممّا يخطّط له أعداء الإنسانية باسم الإنسانية البريئة من جبروتهم وطغيانهم وكراهيتهم المبرمجة للقضاء على كلّ من يختلف عنهم في مظهر مركزي من مظاهر حياتهم
فمن يسمي نفسه متعلما أو مثقفا يجب عليه أن ينبه الناس علي المخاطر الكبري التي تعتري المجتمع…وأن يكون صوتا لضمير… وإلا ما فائدة وجوده اصلا فماهو بطبيب يعالج أجسام الناس… فما هو بكناس أو رجل نضافة ينضف شوارعهم؟
فشأنك الثقافي هو
حبك وعطشك وفضولك
حبك المعرفي والثقافي وعطشك للعلم والمعلومة و فضولك العلمي الإيجابي
هي أجنحتك القيمية والإعتبارية والمعنوية لتحليق في رحاب الفعل والشأن الثقافي للمساهمة في تغيير المجتمع إلي الأحسن والأفضل ولكي تقدم القيمة المضافة لمحيطك.