جبر الخاطر وأثره على الفرد والمجتمع
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
إن جبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفس وعظمة قلب وسلامة صدر ورجاحة عقل ونبل محتد وكرامة أصل وأصالة معدن وشهامة مقدرة ورجولة مباركة، فتطييب النفوس المنكسرة وجبر الخواطر من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين المؤمنين، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة، وكل منا يتعرض في حياته للهموم والكروب والضيق والاحزان، ويصبح بحاجة إلى من يأخذ بيده ويجبر بخاطره ويمسح عن قلبه غاشية الحزن ويرفع عن صدره جاثمات الكرب، فجبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخر ورفع همته وتهوين مصيبته وإقالة عثرته والأخذ بيده حتى يقف على قدميه، فما أجمل وأنت في غمرة الحزن.
أن تمتد إليك يد تسعفك أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من ازرك وتسعدك، وتهون من امر المصيبة وتنجدك، فنحن نحتاج اليوم إلى تطييب الخاطر، وقد تكون مواقع بعض الناس الاجتماعية مؤهلة لهم لذلك كالمفتي، والعالم، والإمام، والخطيب، والطبيب، وهكذا المدير، فإن المدير يقوم بدور عظيم في تطييب خواطر الموظفين، والكلمة اللطيفة منه، والتشجيع، والدعم النفسي والمعنوي لا شك أن له أثر عظيم في نفوس من تحته، وقد يصبح المريض صحيحا بمثل هذا، ويصلح المخطئ، ويزول حزن المهموم، والكلام يجب أن يُنتقى بمثل التذكير برحمة الله، وسعة فضله، وإن مع العسر يسرا، وبعد الهم فرجا، ومن يتق الله يجعل له مخرجا، وانتظار الفرج عبادة، ورحمة الله بالمضطرين.
وأمن يجيب المضطر إذا دعاه، والمعونة تنزل على قدر الشدة، وهكذا من الكلام الطيب الذي جاء في الكتاب والسنة، فإن جبر الخواطر وتطييب النفوس خلق كريم وصفة من صفات المؤمنين الأتقياء، وهو عبادة جليلة وسهلة وميسورة، أمر بها الدين، وتخلق بها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وإن من أسماء الله الحسنى وصفاته العُلى الجبار، وقد جاء في تفسير السعدي، بأن الجبار هو بمعنى العلي الأعلى، وبمعنى القهار، وبمعنى الرؤوف الجابر للقلوب المنكسرة، وللضعيف العاجز، ولمن لاذ به ولجأ إليه، ومما يدل على جبر الخواطر وتطييب النفوس في القرآن الكريم، قوله تعالى فى سورة يوسف ” فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون”
فكان هذا الوحي لتثبيت نبى الله يوسف عليه السلام ولجبر خاطره، فإنه ذاك المظلوم الذي أوذي من أخوته، فالذي يؤذى ويظلم يحتاج إلى جبر خاطر، ومن ثَم شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة، وفى قولة تعالى فى سورة القصص ” إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد” وقال مقاتل ” خرج النبى صلى الله عليه وسلم من الغار ليلا مهاجرا إلى المدينة فى غير طريق مخافة للطلب، فلما رجع إلى الطريق ونزل الجحفه عرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها، فقال له جبريل إن الله يقول ” إن الذى فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ” أى إلى مكة ظاهرا عليها، ومنها قوله تعالى ” ولسوف يعطيك ربك فترضى” وجبر الخواطر وتطييب النفوس كانت له صور متنوعة.
ومواقف متعددة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فها هو صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر أحد أصحابه لما وجده حزينا ومتألما على فقد أبيه، وقد ترك ديونا أثقلته، وفي موقف آخر ها هو صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر أحد أصحابه ويطيب نفسه لما علم منه أنه غير جميل في صورته، وشأنه وضيع بين الناس، ويجبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خواطر اليتامى ويطيب نفوسهم بقوله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري “أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا” وقال باصبعية السبابة والوسطى” وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر كل كسير صغيرا كان او كبيرا رجلا كان او امرأة، فكان الكل يأوي إليه والكل يسعى لديه.