استيقظ قلبي
بقلم /عبده داود
تقول أم جميل: أنا أحب أن أصلي بجانب تمثال العذراء في حريصا، بجانب بيتي. وأرجوها أن تحمي ابني من ويلات الحرب الدائرة في بيروت… وتابعت أم جميل تقول:
في النهار أصلي وانا اتمتع بمنظر البحر أمامي، والجبال الخضر حولي، وفي الليل ضوء القمر يسعدني…وهذا يشعرني بأنني قريبة من السماء التي تسمع صوتي…
ابنها الدكتور جميل يسكن في شقة أهله الفاخرة في بيروت مرغما. لأنه يحب حريصا، لكن في تلك الفترة، لم يكن قادرا على مغادرة عاصمة لبنان، لأنه يعمل في إحدى المستشفيات، وهو مستنفر دائماً تحت الخدمة، والسبب بيروت كانت تغلي وخطرة بسبب الحرب الأهلية الخبيثة التي يديرها أعداء لبنان بواسطة عملائهم داخل لبنان…
دكتور جميل كان لا ينام، يغفو على المقعد في المستشفى دقائق ويستيقظ وهم ينادونه طالبين منه الحضور إلى قسم الإسعاف…
لبنان بكامله لم يكن يعرف النوم آنذاك، دوي الانفجارات في كل مكان لا يهدأ…حرب يسببها أعوان الاستعمار البغيض الذين كانوا يحركون الفتن الطائفية والعنصرية والمذهبية بين صفوف الشعب اللبناني الواحد، ويشعلون فتيل الاقتتال فيما بينهم.
السخرية، الاستعمار كان يغذي المعارضين بالأسلحة وأيضا كان يغذي الموالين على حد سواء، حتى يتحاربوا ويفتكوا ببعضهم البعض.
وعندما أكتشف اللبنانيون حجم المؤامرة عليهم، وفهموا بأن عملاء الاستعمار، الذين كانوا يقذفون الكنائس بقنابلهم، هم ذاتهم كانوا يديرون مدافعهم ويقصفون الجوامع…حتى يستمر الصراع الطائفي البغيض ويتم تحطيم لبنان.
حينها طلبت الحكومة اللبنانية تدخل الجيش السوري لتهدئة الوضع اللبناني. وفعلاً استطاعت سورية التغلب على المؤامرة الدنيئة، وعاد السلام إلى لبنان، لكنه سلاما لا يزال هشاً إلى اليوم، لأن الأمر لم يرق لعملاء الاستعمار، ولا يزالون يدينون التدخل السوري في لبنان حتى يومنا هذا، لأن العملاء يرغبون بالعودة إلى مكاسبهم وثرواتهم التي كانت تغدق عليهم من المستعمرين وأعوانهم العرب.
عندما هدأت الحالة نسبياً، رجع جميل على دارة أهله في حريصا مرهقاَ، ونام أكثر من أربعة وعشرين ساعة متواصلة.
نصحته أمه بزيارة خاله في سورية، حتى يرتاح بعض الوقت لأنه كان مرهقاً تماماً
وقفت سيارة لبنانية فخمة أمام باب أبو عبود بالضيعة، وعرف أهل الحارة بأن الدكتور جميل ابن ملكة العازب، جاء لزيارة خاله.
في الحقيقية لا أحد في الضيعة يعرف الدكتور جميل شخصياً، أمه ملكة تزوجت صغيرة إلى لبنان، وباتت زياراتها قليلة إلى سورية، وخاصة عندما كبر أولادها وصاروا في المدارس، ابنها جميل دخل كلية الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وطيلة مدة دراسته كان غارقاً في الكتب، حتى تخرج طبيباَ.
وجميل، غير إنه دكتور ناجح، هو شاب خلوق، لطيف المعشر، وسيم، وهو ابن رجل أعمال لبناني ثري.
لكنه كان يرفض الزواج ويقول لم يستيقظ قلبي بعد…
كانت الصبايا في بيروت يحكن شباك العناكب حول جميل، لأنه فعلاً عريس تحلم به كل فتاة، شاب يقال عنه في مجالسنا (عريس لقطة). لكن هو قلبه كان يغط بالنوم لم تستطع الصبايا العديدات ايقاظه…
كانت فرحة أبو عبود لا توصف بزيارة ابن اخته ملكة.
جميع أهل الحارة سمعوا ذلك النهار، صوت جرن القهوة الخشبي الذي يكسر فيه الخال حبوب القهوة المحمصة، بخبطات المدقة الخشبية المتقنة، ويخرج الحاناً راقصة تفرح القلب.
ذلك المساء، جاء الأقارب والأصدقاء حتى يسلموا على الدكتور جميل، حينها أخذت أم عبود تقرع على الدربكة، وتعزم الصبايا على الرقص، تزايد عدد الموجودين وصارت سهرة حلوة لطيفة وخاصة عندما تحول الرقص إلى دبكة، في أرض الدار الواسعة، فرقصت الأرض تحت اقدام الشباب والصبايا ابتهاجاً…وكانت هناك صبية جميلة جداً اسمها ليلى مسكت بيد الدكتور جميل صدفة، أو صدفة مصطنعة، وأحس جميل بأن لمسات هذه الصبية ساحرة بعثت الدفء في قلبه….
ولاحظ بأن حركاتها وكلامها ينم على ثقتها الواسعة بنفسها، وقالت اسمها ليلى…وهي قريبة امه من بعيد
في الأيام التالية كانت الصبايا يترددن إلى دار أبو عبود يتحججن بالمرض…
ليلى لم تأتي، وهو كان ينتظر تلك الصبية بالذات ليلى… وكان يتساءل لماذا ليلى بالذات انتظرها؟ هل استيقظ قلبي أخيراً؟
يوم الأحد، جاء جميع الشباب والصبايا يزورون الدكتور جميل كترحيب رسمي به. لم لا، نصف أهل الضيعة أقرباء امه وخاله، وبالتالي الدكتور يعتبر ابن الضيعة.
لكن جميل كان ينتظر ليلى بالذات…عندما جاءت كانت ترتدي ثوبا أزرقاً بسيطاً، لكنه جميل ببساطته، وتضع حمرة شفاه لطيفة، لكنها عذبة، زادت في انوثتها.
أحست الصبايا بأن ليلى هي التي اهتم بها الدكتور اهتماما مختلفاُ…
لأول مرة أحس الدكتور بأن له قلباً ينبض، وكان يقول كنت متصوراً بأن قلبي من حجر… لأول مرة أحس بأنني اشتاق لإحداهن، لأول مرة انتظر رؤية صبية معينة، لأول مرة لم أنم وبذهني صورة فتاة اشتاق لها… الغريب هي أمامي الآن، وأنا مشتاق إليها… قلت لها لأول مرة أشاهد القمر وأعرف بأنه بالفعل جميل…
قالت ليلى مازحة فعلا جميل، مثل جمال عينيك يا جميل… وضحكت
قال جميل: ياه وأخيرا استيقظ قلبي من سباته…
وطلب جميل من خاله أن يزوروا أهل ليلى ليطلبوا يدها عروسا له
زغردت أم ليلى، زغرودة، سمعتها أهل الضيعة،
مضت أيام والدكتور جميل يزور حبيبته ليلى ووصف جميل تلك الأيام بانها من أجمل أيام العمر
ذلك المساء بينما كان الجميع يرتشفون القهوة رن موبايل الدكتور كانت امه تسأله متى ستعود لأنهم لا ينفكون يسألون عنك في المستشفى….
أخذ أبو عبود الموبايل وقال لأخته، اختي جميل لن يعود الآن إلى لبنان، تعالي أنت واحضري صهري أبو جميل معك وأولادك واحفادك جميعاً لأن قلب جميل بدأ ينبض أخيراً. واستيقظ قلبه من النوم، لقد وجد نصفه الحلو في ضيعتنا…