يعد المكنون الأثري جزءا مهما من ذاكرة حضارتنا الخالدة، وهو كنز على وجهي دلالة الكلمة، سواء على الوجه المادي، لارتفاع قيمته التسويقية في عالم الأتجار بالآثار وتواريخ الشعوب، أو على الوجه المعنوي كقيمة تاريخية ومعنى حضاري، حيث يحمل النسخة الأصل لجينتنا الثقافية عبر التاريح، مما يدفع طرفي العمل الجنائي (البائع والمشتري) نحو ممارسة أفعال إجرامية بالنهب والاستيلاء. سواء على المستوى القانوني الأمني أو على المستوى الأخلاقي القيمي. فالاستمتاع بإبداعات الأثر المعجز والاستفادة بأسراره المدهشة في المحافل العلمية، يعد حاجة ملحة عند الآخر المتقدم والثري، الذي يُسيل بدولاراته الخضراء، لعاب من الطامع الذي يجهل بالقيمة التاريخة لإرثه الحضاري، ويسعى لاهثا نحو حفنة دولارات معدودة.
ووراء هاتين الرغبتين تتعرض أيقوناتنا الحضارية للسطو والنهب والتسريب، لتعبر نحو الشاطئ الآخر، حيث يستلبها هذا الآخر ويوظفها لديه بواسطة جهلنا واضمحلال وعينا بذواتنا.
إن ما نسمعه من عمليات نهب الآثار (تنقيبا وإتجارا وتهريبا) ، ليس بجديد على آذاننا، لكن الجديد والموجع لكل من يستشعر آلام هذا الوطن، هو أن نسمع بتوجيه اتهام لشخصيات تعد عامة، من برلمانيين وأكاديميين وتنفيذيين ورجال أعمال كبار، من رموز هذا المجتمع وطبقاته العليا الميسورة، والتي يتعشم الجميع في إدراكهم للقيمة الوطنية الكبرى للأثر التاريخي لبلادنا، وخطورة التفريط في موجوداته التي تمثل أيقونة لهويتنا التاريخية والتي سافرت آثارنا محتفظة بها_ عبر آلاف السنين.
إن الأزمة تكمن في الجانب الأخلاقي القيَمي الذي يعكس قصورا واضحا في التوعية الثقافية بالتاريخ وقيمته التي تمثل عرضا وكرامة لبلادنا، مما انعكس سلبا على ممارسات العامة وتمدد ليأكل الفئات الخاصة، ليمارس الجميع أعمالا إجرامية من حيث (التخطيط والتمويل والتنقيب والسرقة والإخفاء والتهريب) لتباع كرامتنا التاريخية للآخرين، مما مثل شقا قانونيا أمنيا للأزمة الراهنة.
لذا نهيب بالجهات المسئولة من الإعلام والتعليم ودور العبادة والمؤسسات الأهلية الاجتماعية والسياسية، أن تعمل على إرساء ثقافة الوعي الوطني، واستشعار القيمة المعنوية للأثر الموروث، كذا الحسم في ردع هذه الانحرافات على مستوى الجزاء العقابي قضائيا.
حفظ الله بلادنا من كل سوء.