مما لا شك فيه يعتبر الأزهر الشريف من أهم المؤسسات الوطنية الستة التي تحمي مقدرات الأمة ، وتحافظ على حقوقها ، وترعى مصالحها العليا .. وترتكز عليها الدولة شعبا وحكومة وقيادة على مر العصور ……… وبالرغم من التجاوزات التي يرتكبها بعض المنتسبين لبعض هذه المؤسسات على الحقوق العامة والخاصة …… إلا أنها ليست كمؤسسات الدول الأخرى حيث تتميز مؤسساتنا بحبل سحري موصول بقلوب أبناء هذا الشعب الأبي …. وما كان لهذه المؤسسات أن تصل لهذه المكانة …. لولا علاقتها الأبدية القائمة على الثقة المتبادلة مع أبناء هذه الأمة .. وهو ما يفسر نظرتنا التاريخية لهذه المؤسسات الوطنية بنوع من القداسة .. أما سبب حضورها الطاغي …. فلا يكمن في مكانتها في قلوب المصريين …. ولا فيما تملكه من هيبة وقوة وهيمنة فحسب .. بل يكمن أيضا في القواسم المشتركة فيما بين بعضها البعض .. وخصوصا تلك التي بين مؤسستي الأزهر الشريف ، وقواتنا المسلحة الباسلة .. مثل الدقة ، والانضباط ، وأسلوب الإدارة …. فمثلا لا تؤدي أي منهما عملا ، أو تضع خطة ، أو تصدر قرارا ، أو تدلي برأي في أية قضية ……. إلا بعد دراسة علمية مستفيضة للأبعاد الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والسياسية والتاريخية أيضا .. وأظن أن هذه الطريقة المنهجية المتبعة في مباشرة هذه المؤسسات لمهامها الوطنية …. جعلت الدولة متمثلة في الأزهر الشريف لا ترى وجها لتبنى مبادرة البطل الصعيدي الشيخ على الجرجاوي ، بأي عمل مؤسسي ولذلك عزفت الدولة عن مساعدته بأي شكل رسمي …… بالرغم من قناعة شيوخ الأزهر الشريف الكاملة بنبل تلك المبادرة ، وعظمة الأهداف المرجوة منها .. بدليل أنهم قدروا اهتمام الشيخ على الجرجاوي .. كما سنعرف بالتفصيل بعد قليل .
كان لابد لنا من المقدمة السابقة .. حتى تتضح أمامنا معالم تلك التجربة ، ونعرف كيف بدأت وإلى أين انتهت … كي تعم الفائدة من ذلك العمل البطولي الذي قام به العالم الأزهري الشيخ علي أحمد الجرجاوي … الذي ولد سنة 1870 م .. في قرية القرعان ، التابعة لمركز جرجا بمحافظة سوهاج .. والذي ظهر نبوغه منذ نعومة أظافره .. ومن شواهد ذلك أنه تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية ولم يكن تجاوز السادسة من عمره .. ثم درس قواعد اللغة العربية …… والمبادئ الأولية للعلوم الشرعية ……. بالمعهد الديني بمدينة جرجا وكان من أوائل طلابه …. ثم انتقل إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية في أروقة الأزهر الشريف .. ثم التحق بعد ذلك بمدرسة القضاء الشرعي ، ونال إجازتها العالمية ، واستقر به الأمر في القاهرة ، واشتغل بمهنة المحاماة – وما أقدسها من مهنة – وأثناء عمله بالمحاماة أسس صحيفة الإرشاد .. ثم تولى بعد ذلك رئاسة جمعية الأزهر العلمية … وله عدة مؤلفات من بينها كتاب “حكمة التشريع وفلسفته” ….. وكتاب “الإسلام ومستر سكوت” الذي رد فيه على افتراءات بعض المستشرقين ضد الإسلام …. وظل يواصل مسيرته العملية في مجالي الصحافة والمحاماة إضافة إلى الدعوة حتى وافته المنية سنة 1961 م .
وبالإضافة إلى ما كان يتمتع به صاحب الفضيلة الشيخ على الجرجاوي … من منزلة علمية ومكانة اجتماعية ، فقد كان خطيبا مفوها ، ومحاورا بارعا .. لديه فراسة وبُعد نظر .. ما أن تستمع إليه أو تتجاذب معه أطراف الحديث حتى يأسر قلبك .. وتنال أفكاره وتحليلاته هوى في نفسك ، ولا يسعك إلا أن تحترمه حتى لو لم تتفق معه … نظرا لأناقته الفكرية ، وأراءه الموضوعية ، ورؤيته الثاقبة فيما لا تراه العين المجردة، وحنكته البالغة في إدارة النقاشات الساخنة حول القضايا المهمة …. فهو يشعرك منذ الوهلة الأولى لرؤيته والاستماع إليه أنك في حضرة مفكر من طراز نادر … يتمتع بنظرة عميقة لشئون الفكر والسياسة .. وهذا ليس غريبا أو كثيرا على شخصية فضيلة الشيخ على الجرجاوي … فقد كان على مستوى عالي من الفكر والمعرفة ، والوعي والثقافة .. كما كان محسوبا على النخبة المناهضة للاستعمار الإنجليزي ، وتأثيره السلبي على قيم وهوية الشعب المصري .
كما كان صاحب الفضيلة الشيخ علي الجرجاوي ….. معروفا بحرصه الشديد على المتابعة اليومية للأخبار المحلية ، والأحداث العالمية …… وخلال متابعته للأخبار كالعادة ………….. ذات يوم من أيام سنة 1906 م …. في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني …. قرأ خبرا لافتا للانتباه في إحدى الصحف ، مفاده أن رئيس وزراء اليابان في ذلك الوقت الكونت كاتسورا أرسل خطابات رسمية إلى رؤساء حكومات الدول ذات الحيثية تحمل دعوة لإرسال وفودا إلي اليابان .. من العلماء ، والمشرعين ، والفلاسفة ، والمفكرين .. ليحاضروا كل في مجال تخصصه في مؤتمر عالمي يعقد في مدينة طوكيو ……. تحت عنوان “المقارنة بين الأديان” كي تختار اليابان عقب المؤتمر ما يناسبها من الأديان التي ستعرض خلاله ……. لتقره ديناً رسمياً للإمبراطورية اليابانية الناهضة .
بعدما قرأ الشيخ على الجرجاوي الخبر أسرع فورا إلى الجامع الأزهر منارة العلم والإيمان الذي يرفع راية الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها …… واضعا الأمر كله تحت تصرف علماء الأمة الذين أخبروه بأن مصطفى فهمي باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت تلقى فعلا رسالة من رئيس وزراء اليابان بخصوص تلك القضية منذ عدة أيام …… وما أن أحالها إلي الجهات المختصة ….. وعلى رأسها الأزهر الشريف …. حتى عكفنا على دراستها من كافة جوانبها المختلفة .. وعليه أبدينا رأي المشيخة لقيادة الدولة .. ثم حيا علماء الأزهر الشريف الشيخ على الجرجاوي .. على وعيه ، واهتمامه .. وقدروا جهوده ، وانتماءه لوطنه ، وأثنوا على غيرته على دينه … باعتباره رجل علم ، ومثل أعلى ، وقدوة حسنة … لكنهم لم يأخذوا بزمام المبادرة ، ولم يتخذوا خطوة إيجابية واحدة .
أظن أن السبب في ذلك يعود إلى أن الدولة المصرية على مر العصور لها فلسفتها الخاصة في إدارة شئونها العامة … بما لديها من رؤية سياسية …. وبما لها من حسابات موضوعية .. اكتسبتها من الخبرات المتراكمة –بحكم موقعها الريادي على المستوى العربي والإسلامي– التي تظهر دائما واضحة جلية …. من خلال نظرتها الشمولية لمثل هذه القضايا المصيرية .. واستكمالا لهذا التحليل أقول .. لابد أن الدولة استحضرت أحداث الماضي البعيد وهي تنظر تلك القضية وعلى رأس تلك الأحداث التاريخية سقوط الأندلس –إسبانيا حاليا– سنة 1492 م .. بعد ثمانية قرون من المجد والحضارة … حيث تحولت من دولة كبيرة مهابة إلى ممالك صغيرة متناحرة … وذلك لأسباب عدة .. منها أن العرب مهدوا الطريق أمام القوى المعادية .. وذلك بالصراع الدموي على السلطة ، والاستعانة بأعداء الأمة ضد أخوة الدين والعروبة والاهتمام بالمظاهر الكذابة ، والانغماس في ملذات الحياة الدنيا ، فعمت الفوضى ، وانتشر الظلم والفساد ، وارتفع سقف النفاق إلى أبعد مدى …… حتى وصل إلى حد تأليه الخلفاء .. ومن أمثلة ذلك قول الشاعر ابن هاني الأندلسي .. في مدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله “ما شئت إلا ما شاءت الأقدار ، فاحكم فأنت الواحد القهار” .
أما رفض الدول الأوروبية وجود دولة عربية مسلمة في قلب أوروبا الغربية فيعتبر من أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس .. وهنا بيت القصيد .. ذلك لأن الدولة المصرية ربما رأت في ذلك الوقت أنها ليست بالقوة الكافية لتبني مثل تلك القضية حيث كانت مصر حينئذ ترزح تحت نير الاستعمار الإنجليزي ، أما دول العالم العربي والإسلامي فلا شك أنها كانت أسوأ حالا مما عليه الحال في مصر …. وربما رأت الدولة أيضا أنها لو أرسلت وفدا رسميا واستطاع أن يقنع أبناء الشعب الياباني باختيار الدين الإسلامي دينا رسميا للدولة اليابانية .. ومن ثم أصبح لها تبعية روحية ودينية للأمة الإسلامية …… فإن ذلك سيؤدي حتما إلى إثارة نعرة الأمم الأخرى ……. ومن ثم سيدفعها دفعا إلى التكالب على إفشال التجربة … أما نجاح المبادرات الفردية في مثل تلك الحالة فلن يثير غضب الدول المتربصة … التي تكره العرب ولا تحب المسلمين ….. وتناصب الإسلام العداء ، وتوصمه بالإرهاب وهو منه براء .. وهذا معناه أن الدولة المصرية على مر العصور .. دائما ما تربط الحاضر بالماضي ، وتستشرف المستقبل في دراسة مثل هذه القضايا المصيرية ……. لكن حينما يتراجع دور الدولة في مثل تلك الظروف التاريخية الصعبة … تصبح المبادرات الفردية حق وواجب وضرورة وطنية .. وجزء لا يتجزأ من المقاومة الشعبية المشروعة .. ومن هنا باركت الدولة متمثلة في الأزهر الشريف تلك المبادرة .. وإن لم تُطلقها ، أو تشارك فيها .
ولسنا في حاجة إلى القول .. أن فضيلة الشيخ على الجرجاوي …. لم يكن مسئولا كبيرا في الدولة كي يرى صورة المشهد السياسي كاملة ، ويطلع على السياسة العليا ، ويعلم ما يدور خلف الأبواب المغلقة …. ولذلك لم يتفهم عدم اهتمام مشايخ الأزهر بالمبادرة .. رغم إيمانهم بعدالة القضية …….. الأمر الذي جعله ينشر في صحيفته “الإرشاد” نداءً عاما موجها للدولة شعبا ، وحكومة ، ومشيخة ، وقيادة ….. لكن لا حياة لمن تنادي …. حينئذ لم يجد الشيخ على الجرجاوي بدا من طرق باب الدعوة المباشرة …. فبدأ بدعوة جيرانه ومعارفه المقربين ، ثم زملاءه وأصدقاءه من العلماء والمفكرين …. فلم يستجب لدعوته أحد ….. فما كان منه إلا أن وسع دائرة الدعوة …. وأخذ يدعو العوام في الحقول ، والمصانع ، والحواري ، والشوارع ، والميادين العامة .. لكنه لم يجد آذانا صاغية ، ولا عقولا واعية .
الملاحظ هنا أن الشيخ على الجرجاوي لم يترك طريقا إلا سلكه … ولم يعرف بابا إلا طرقه حتى استنزف جميع الوسائل المتاحة أمامه سواء الرسمية أو الإعلامية أو الشعبية من أجل تحقيق هدفه لكن دون جدوى .. ورغم ذلك لم يفقد حماسه ، ولم يتسرب اليأس إلى نفسه بل زاده ذلك تصميما على تصميمه … وإيمانا بقضيته .. وتمسكا بحلمه ، وإصرارا على تحقيق هدفه … ولم يبق من سبيل أمامه إلا أن يعتمد على نفسه …. ويأخذ بزمام المبادرة بمفرده … ويخوض غمار التجربة ، ولا يفوت تلك الفرصة ….. لذلك عقد العزم ، وبيت النية ، وانتهى الأمر ولسان حاله يقول إذا كان للدول حساباتها فإن للشعوب اختياراتها .
وبناءً على ما تقدم سافر صاحب الفضيلة الشيخ على الجرجاوي إلى قريته في قلب الصعيد منبت الرجال ، ومنبع الأحرار … ليعد نفسه لتلك المهمة المقدسة .. ولم يكن يملك من حطام الدنيا سوى خمسة أفدنة … كان قد ورثها عن أبيه باعها على وجه السرعة … دون تردد أو مشورة .. لينفق من ثمنها على رحلته .. ثم ودع أهله ، وحزم أمتعته ، وغادر قريته مسرعا وهو يشق طريقه إلى اليابان ….. مغامرا بماله وحياته ، في رحلة بحرية شاقة ، لقي خلالها من المتاعب والمخاطر والمصاعب والأهوال ما لا يخطر على بال …. وحسبه أنه لم يخض تلك المغامرة أملا في مكافأة ، و لا انتظارا لتكريم ، و لا سعيا وراء منفعة ….. بل طمعا في مرضاة رب الوري …. وأملا في أن تعود للإسلام أمجاده القديمة ، ولم يكن يعلم أن التاريخ يراقب محاولاته ، ويحسب خطواته ، وسيسجل أسمه بحروف من نور في أنصع الصفحات بياضا في مجال الدعوة في العصر الحديث .
وما أن وصل إلى ميناء يوكوهاما الياباني حتى كانت أولى المفاجآت السارة …. التي خففت عنه مشقة السفر ، وبددت مخاوفه من الفشل .. وجددت لديه الأمل .. حيث التقى في الميناء بعدد من العلماء قدموا مثله فرادا بجهودهم الخاصة لنفس الغاية … من كل من تونس والهند والصين وروسيا ….. فاتفقوا جميعا على تكوين وفد إسلامي موحد برئاسة صاحب الفضيلة الشيخ على الجرجاوي ……… من أجل عرض الدين الإسلامي في أبهى صورة في المؤتمر الياباني .. أما المفاجأة السارة الثانية …… فكانت أثناء انعقاد المؤتمر حيث استقبل الحضور الوفد الإسلامي بترحيب كبير ، وحفاوة بالغة .
والأهم أن الدين الإسلامي قوبل باستحسان كبير بين الحضور .. بعد العرض العبقري للوفد بقيادة الشيخ على الجرجاوي .. حتى أن الإمبراطور الياباني “ألماكيدو” نفسه أبدى إعجابه بالدين الإسلامي ……. وكاد أن يعلن إسلامه على يد الشيخ على الجرجاوي لولا خشيته من احتجاجات الشعب الياباني .. وصرح بأنه في حالة نجاح المؤتمر سيعمل جاهدا على اختيار الدين الإسلامي دينا رسميا لليابان …. وهذا يؤكد على قضية بديهية مُسلم بها ألا وهي .. أن الإسلام الصحيح رسالة سماوية سمحة … يجرم العنف ، ويحرم العدوان ، ويدعو إلى قبول الآخر والتعايش معه بسلام تحت مظلة “لهم ما لنا وعليهم ما علينا” ….. إذن العيب ليس في تعاليم الدين ، وإنما في مفاهيم المدعين من المغيبين والخونة والإرهابيين .
ومن المعروف أن اليابان لم تٌقدم على ذلك المؤتمر غير المسبوق …. خلال احتفالها السنوي الأول بانتصارها المظفر على الروس سنة 1905 م ….. إلا بعدما رأت أن معتقداتها الدينية السائدة في ذلك الوقت لا تتواكب مع تطورها الحضاري، ولا تتناسب مع تقدمها الاقتصادي الذي وصلت إليه خلال وقت قياسي ……… فأرادت أن تتخذ دينا جديدا موحدا للإمبراطورية الصاعدة فوجدت ضالتها المنشودة في الدين الإسلامي باعتباره الأكثر ملائمة للأمة اليابانية التي تتحدى نفسها في تلك المرحلة الحضارية الفاصلة .. وتمهيدا لانعقاد ذلك المؤتمر قامت الحكومة اليابانية بحملة تنويرية …… عبر الوسائل الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية تحت عنوان “دين واحد لليابان” وبالرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة اليابانية في حملتها التنويرية …… ما أن أعلنت عن موعد انعقاد المؤتمر حتى خرجت الاحتجاجات الشعبية من كل مكان مطالبة بإلغاء المؤتمر …. وإبقاء الحال على ما هو عليه …. بتحريض من أصحاب المصالح الخاصة المرتبطة وجودا وعدما بالمعتقدات الدينية الموروثة .
ورغم أن كل المؤشرات طوال فترة الانعقاد …. سواء على المستوى الرسمي ، أو النخبوي كانت توحي بأن الدين الإسلامي احتل مقدمة الاختيارات عن جدارة …. لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن ، حيث فرضت الاحتجاجات الشعبية كلمتها وانتهى الأمر بانقسام اليابانيين على أنفسهم ولم يتوصلوا إلى اتفاق مرضي لجميع الأطراف … واعٌتبر المؤتمر كأن لم يكن ولكن البطل الصعيدي صاحب الفضيلة الشيخ على الجرجاوي …. كعادته دائما لم ييأس ، و لم يتراجع ، و لم يستسلم ……. بل خرج من المؤتمر مسرعا إلى شوارع طوكيو برفقة أحد المترجمين .. ليخطب في العوام ويحاورهم في النوادي والميادين ، ويدعوهم إلى عبادة رب العالمين .. فأسلم على يده عشرات الآلاف من اليابانيين .
وبعدما انتهت أعمال المؤتمر وأسلم من أسلم .. عاد ابن الصعيد إلى أرض الوطن .. مرفوع الهامة ، بطلا مظفرا …. بعدما أنهى المهمة ، وأدى الرسالة ، ورفع اسم مصر بين البلدان ، وحمل راية الإسلام عالية خفاقة على أرض اليابان … فدخل التاريخ من أوسع أبوابه .. عاد البطل ليصف تلك الرحلة الفريدة من نوعها وصفا شيقا يليق بها … فألف لهذا الغرض كتابا من أفضل كتب أدب الرحلات في القرن العشرين …… أطلق عليه اسم “الرحلة اليابانية” .. سرد فيه تفاصيل تلك الرحلة العجيبة من البداية إلى النهاية …. وباختصار شديد قام صاحب الفضيلة الشيخ على الجرجاوي بدور عظيم ….. لا يمكن نكرانه ، ولا يليق التعتيم عليه ، أو تجاهله …. ولا يمكن لأحد ممن هم في مجاله أن ينافسه عليه مهما بلغ عطاؤه …. وليس أدل على صحة ذلك …. مما قيل عنه في أوساط علماء الأزهر عقب عودته إلى أرض الوطن .. “لو قُدر لهذا الرجل أن يظل في اليابان لدخل على يده معظم أهلها في الإسلام” .
وفي الختام أقول لهذه الحكومة …. أما آن الأوان في هذه المرحلة الفاصلة التي تشهد نهضة تنموية شاملة ، غير مسبوقة في تاريخ الأمة ، أن نزيح الغبار عن مثل هذه النماذج المشرفة ، على امتداد الخريطة من الصعيد إلى الدلتا …. ونضعها في الحسبان في رؤيتنا السياسية ، وخططنا المستقبلية .. لمناهجنا التعليمية ، وأعمالنا الفنية ، وبرامجنا الثقافية ….. كي نحولها من جواهر مدفونة … إلى شموع وقادة …… تنير لهذا الجيل –والأجيال القادمة– طريق العلم والمعرفة … وتحببه في البحث والمتابعة …. وتعلمه الإبداع والمثابرة … وتدربه على التفكير خارج الصندوق ، وتشجعه على الإقدام والأخذ بزمام المبادرة ؟ .