حديث الصباح
أشرف عمر
الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
*{ اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ }.*
قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
قَالَ:
*{ لَيْسَ ذَاكَ وَلَكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا ، فمَن فَعلَ ذلِكَ فقدَ استحيا منَ اللَّهِ حقَّ الحياءِ }.*
حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع وصحيح الترمذي.
*شرح الحديث:*
الحياءُ خيرٌ كلُّه، وكان نبيُّنا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم متَّصِفًا بهذه الصِّفةَ، وقد حَثَّنا على الاتِّصافِ بها، ورغَّبنا فيها، وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “استَحْيوا”، فِعلُ أمرٍ مِن الحياءِ، وهي: صِفةٌ في النَّفسِ تَحمِلُ على فِعْلِ ما يُحمَدُ وتَركِ ما يُذَمُّ عليه ويُعابُ، “مِن اللهِ”، أي: لِيَكُنْ هذا الحياءُ مِن اللهِ تعالى لا مِن الخَلقِ؛ لأنَّه سبحانه مُطَّلِعٌ على عِبادِه ومُراقِبٌ لهم، “حقَّ الحياءِ”، أي: حياءً صادقًا وثابتًا ولازمًا؛ وذلك بِتَركِ الشَّهواتِ وتَحمُّلِ الْمَكارِهِ في الطَّاعاتِ، والقيامِ بالفرائضِ، وتركِ المحرَّماتِ، وقيل: مَعناه، اتَّقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه، “قلنا”، أي: قال الصَّحابةُ الحاضِرون للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “يا رسولَ اللهِ، إنَّا لنَسْتَحْيي والحمدُ للهِ”! أي: نَستَحِي مِن اللهِ تعالى ونَحمَدُه على أنْ وفَّقنا للحياءِ منه، ولم يَقولوا حقَّ الحياءِ اعتِرافًا بالعجزِ عنه، “قال”، أي: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “ليس ذاك”، أي: ليس هذا الَّذي تَفعَلونه هو حقُّ الحياءِ، “ولكنَّ الاستحياءَ مِن اللهِ حقَّ الحياءِ” هو “أن تَحفَظَ الرَّأسَ” بألَّا تَستَعمِلَه في غيرِ طاعةِ اللهِ، فلا تَسجُدَ ولا تَخضَعَ إلَّا للهِ، ولا تَرفَعَه تَكبُّرًا على خَلقِ اللهِ، “وما وَعى” مِن الجوارِحِ الظَّاهرةِ والباطنةِ؛ كالعَينَينِ والأُذنَينِ واللِّسانِ، بألَّا تَعصِيَ بهذه الجوارحِ، فتَحْفظَ بَصَرَك عن النَّظَرِ إلى الحرامِ، وتَحْفظَ أُذنَك عن سَماعِ الحرامِ، وتَحفَظَ لِسانَك عن التَّكلُّمِ بالحرامِ، “وتَحْفَظَ البَطنَ” عن أكلِ الحرامِ، والبطنُ تَشمَلُ كلَّ ما هو باطنٌ ومُستتِرٌ وما يتَّصِلُ بها مِن أعضاءٍ، “وما حَوى”، أي: ما اتَّصَل بالبطنِ مِن الجوارِحِ الظَّاهرةِ والباطنةِ، كالقلبِ واليدَين والرِّجلَين، فيَحفَظُها عن المعاصي، ويفعَلُ بها الطَّاعاتِ، “ولْتَذكُر”، أي: تتَذكَّرِ “الموتَ”، وأنَّه حقٌّ وأنَّ الدُّنيا ستَفْنى، “و” تَذكُرِ “البِلَى” بعدَ الموتِ بأن تصيرَ عِظامًا باليةً رَميمةً مُتفتِّتةً.
ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “ومَن أراد الآخِرةَ”، أي: الفوزَ بالجنَّةِ ونَعيمِها؛ لأنَّ الدَّارَ الآخِرةَ دارُ البقاءِ والخلودِ، “ترَك زِينةَ الدُّنيا”، أي: أعرَض عن بَهجتِها وشَهواتِها؛ لأنَّ طلَبَ الدُّنيا والآخِرَةِ لا يَجتَمِعان، “فمَن فعَل ذلك”، أي: جميعَ ما ذُكِر مِن حِفظِ الرَّأسِ والبطنِ والجوارحِ المتَّصِلةِ بهِما، وتذَكُّرِ الآخرةِ وتَرْكِ زينةِ الدُّنيا وشَهواتِها، “فقد استَحْيا”، أي: اكتسَبَ صِفةَ الحياءِ “مِن اللهِ حقَّ الحياءِ”، وكان مُراقِبًا للهِ تعالى ظاهِرًا وباطِنًا، فلا يَعْصيه جلَّ في عُلاه؛ لأنَّه يَعلَمُ أنَّه مُطَّلِعٌ عليه.
صبحكم الله بكل خير وصحة وسعادة وبركة في العمر والرزق وطاعة وحسن عبادة.