بقلم / دكتور عبدالواحد الجاسم
فلسفة الشر (1)
اثار الفيلسوف ابيقور في القرن الثالث قبل الميلاد بعض التساؤلات الفلسفيه، وقام الفيلسوف ديفيد هيوم بطرح هذه التسائلات على الشكل التالي :
♦ إما ان الإله يريد ازالة الشر لكنه عاجز وغير قادر على ذلك!!!
♦ او انه قادر على ازالته لكنه لا يريد فعل ذلك باعتباره شريراً!!!!
♦ او انه تام القدرة والارادة، لكن في هذه الحالة من أين أتى الشر؟.
ان هيوم طرح تساؤلات مشابهة استناداً إلى ما نقله عن أبيقور، حيث يُنسب اليه انه قال: ((اذا كان الشر من تصميم الآلهة، فهي إذاً ليست مطبوعة على الخير، واذا كان الشر متعارضاً مع تصميمها فهي ليست كلية القدرة، حيث لا يمكن ان تكون القدرة والخيرية والشر في آن واحد)).
هذه التساؤلات جاءت في كتاب هيوم (محاورات في الدين الطبيعي).
كما نُسبت مثل هذه التساؤلات إلى اغسطين في (الاعترافات) خلال القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد. مع هذا فإن ما ذكره اغسطين يختلف عما ينسب اليه، فهو وإن أثار مشكلة الشر، لكنه قام بتفسيره استناداً إلى من سبقه من الفلاسفة وعلى رأسهم افلاطون. إذ اعتبر الشر ((ليس بكينونة أو شيئاً جوهريا))ً، وان كل ما يصدر عن الله فهو حسن، وليس بالامكان أبدع مما كان، وكل ما نراه في الموجودات من شر فذلك صادر لعدم معرفتنا لحلقات الأشياء بجميع أطرافها وروابطها ضمن سلسلة الوجود، ولو اننا عرفنا ذلك لرأينا كل شيء حسن من دون شر، فكلها مطابقة لأسبابها ومقاصدها. وبهذا ينفي اغسطين وجود شر في الأشياء، لكنه مع ذلك يعزوه إلى تمرد الانسان بفعل شهواته ونزواته.
لكن نجد اشارات حول مشكلة الشر لدى فيلسوف مجهول يدعى ((كايوس كوتا Caius Cotta)) ورد ذكره في كتاب شيشرون (طبيعة الآلهة) فهو يستعرض هذه المشكلة ضمن ردّه على الفيلسوف الرواقي بالبوس Balbus، ويقول: انه اذا كان الإله قادراً على فعل كل شيء وان باستطاعته ان يشكل من المادة الاساسية أي شيء يريده دفعة واحدة، لذا فعندما تحدث كوارث الشر على البشر، يكون الله في هذه الحالة إما جاهلاً بسلطاته، أو غير مبال بالشؤون الإنسانية، أو غير قادر على أن يحكم بما هو الأفضل والأنسب.
2_ قدرة الاله في دفع الشر
ان التساؤلات حول مشكلة الشر وعلاقتها بقدرة الإله قد انحصرت في كل من نص أبيقور كما نسبها ديفيد هيوم اليه.
ونص الفيلسوف كوتا خلال القرن الأول قبل الميلاد.
ويمكن اعادة ترتيب المشكلة وفق تحديد الحجة اللاهوتية وما تتضمنه من قلق وجودي حولها؛ عبر المحاور التالية:
1ـ إن الإله كلي العلم بقدرته..
2ـ إن الإله كلي القدرة بعلمه ..
3ـ إن الإله كلي الخير عدلاً ورحمة..
هذه ثلاث خصائص أساسية للاله الخالق من وجهة نظر اللاهوتيين، لكنها تواجه مشكلة الشر بما يجعل بعضها يبدو غير صحيح..
فالشر موجود لا شك فيه، وبوجوده إما ان الله لا يعلم به اطلاقاً رغم قدرته الكلية مع صفة الخير المطلقة.
أو انه يعلم به تماماً وانه خير أيضاً، لكنه غير قادر على ازالته.
أو انه يتصف ((بغض النظر )) مع بقاء علمه وقدرته مطلقتين.
كما قد يكون هناك خلل في أكثر من صفة.
وبالتالي فمع وجود الشر تصبح بعض تلك الخصائص غير صحيحة، سواء ضحينا بالعلم أو القدرة أو الخيرية أو بعدد من هذه الصفات.
اما الفيلسوف أبيقور يعتبر حالة استثنائية شاذة وسط ما سلم به الفلاسفة القدماء من تفسير ظاهرة الشر وفقاً لنقص مراتب الوجود.
فقد سبق لهم ان قدروا بان ما يحصل من شرور يعود إلى حتميات الوجود، فالشر وارد لا محالة تبعاً لمقتضيات الحركة الوجودية بفعل تنزلات مراتب العلة والمعلول ومن ثم تناقص مراتب الوجود مقارنة بالمراتب العليا التامة، فالكل يغترف بقدر وعائه من بحر الوجود الفيّاض. والشر لديهم هو عدم وجود نسبي، أو هو نقص في الوجود كما يلاحظ لدى مراتبه الدنيا أو العالم الطبيعي الجسمي، اي انه نقص في الخير، باعتبار ان الأخير يساوق الوجود، وبالتالي فالايجاد يتعلق بالخير لا بالشر، فكل شيء بالنسبة إلى نفسه هو خير وان الشر عارض عليه من الغير بحكم ارتباطات الوجود بعضه بالبعض الآخر، وهذا ما يمنع ان يكون( الشر مستقل الوجود والذات عن الخير)، وهو ما يدحض فكرة وجود مبدأين للخير والشر، حيث أحدهما فائض عن الآخر بالعرض لا الذات.
لكن تبقى النتيجة هي ان وجود الشر حتمي كحتمية وجود الخير، ويصدق عليه قاعدة (ليس بالإمكان أبدع مما كان).
ولا تختلف النظريات الحتمية الحديثة من حيث المبدأ عن هذه الصورة المجملة.
فطالما كانت علاقات الوجود حتمية فالشر وارد لا مفرّ منه، سواء ارتكزنا على اصول ميتافيزيقية، أو اصول مادية صرفة.
للحديث بقية .. ان شاء الله