خربشات غسان

خربشات غسان
خيوط الفجر الأولى هاهي ورغم الغيوم الداكنة تشق طريقها منحتني الحافز أن أكون مثلها وأبدأ رحلة جري منذ زمن لم أمارس ذاك الجري فأنا أصبحت من الكبر بحيث أصبح الجري يتعبني .
كان دافعي للجري خجلي من تلك الخيوط التي لم تنفك تصارع الغيوم لتجري إلينا وتنير نهارنا رغم كونها تزيدني عمرا عشرات بل مئات السنين.
جريت وجريت معتقدا أني قطعت مسافة بعيدة جلست على حافة ذلك المقعد الهرم بحديقة غاب عنها من كان يعشق أزهارها فبدت تتصارع تلك الأزهار مع أشواك غريبة عنها لم تكن تجسر على الدنو بوجوده.
جلست وأنا أراقب السماء ليأتيني صوتها وكأنه يخرج من داخلي دون أن أنطق بحرف:
عن ماذا تبحث
تلفت يمنة ويسرة علني أرى من يحدثني دون جدوى:
أنا هنا بجوارك ألم ترني
قالتها ونفضت جناحيها لأجد نحلة صغيرة تقف عن يميني على حافة المقعد وهي تحدق بي بأعين تعبة جفاها النوم منذ مدة
أعادت سؤالها :
ألن تخبرني من تلاحق ولم كنت تجري
نظرت حولي لأكتشف أني لم أجر سوى بضع خطوات تبسمت ساخرا أه منك أيتها الدنيا نعيش بك عمرنا تأخذي شبابنا وترمي بنا متعبين لانقوى حتى على البكاء من أوجاعنا التي زرعتها بداخلنا:
صديقتي لقد غادرتني أحرفي وهاهي كما ترين تتطاير فوق رأسي وأنا أحاول أن ألتقطها بقلمي لأشكل بعض الكلمات على ورقتي البيضاء علني أستطيع أن أفرغ مابداخلي من أوجاع.
رفرفت بجناحيها لترتفع وتتوضع على كتفي وتهمس بؤذني :
أتعدني أتكتب قصتي إن التقط لك أحرفك وأحضرتها بين يديك.
قصتك هي لن تكون بحجم مالدي من كلمات فأنت لاهم لك تحلقين وتلتقطين طعامك في كل الأماكن ودائما طنينك يرسل أنغام تمنح السرور
أه ياصديقي تلك الأغنية التي أردد وتمنحك السرور لو تدري كم هي حزينة فهي تختصر قصتي والجميع غافل عنها.
منذ غادرنا من كان بمثابة الأب لنا ونحن جفانا النوم نفتقد صوته تلك الكلمات التي كان يرددها بمواويله وهو يحمل بيده مقصا يقص به الأشواك أو مجرفة ينظف بها حول الأزهار
يحمل منجله مانعا الأعشاب التي تسرق طعام أزهاره من التواجد
كان يصارع الغربان مانعا إياها من الإقتراب
أنظر حولك جفانا النوم بعد أن استوطنت تلك الغربان أغصان الأشجار
أشواك تحيط بالأزهار مانعة عنها كل طعام أو نسمة هواء ترافقها أعشاب لاهم لها سوى إرضاء تلك الأشواك وسرقة مافي التربة من غذاء لتجد الأزهار ذابلة وها هي توشك على أن تموت.
صديقي منذ غادرنا ونحن أصبحنا مشردين أجنحتنا تتكسر بالتدريج وهاهي خلايانا تفرغ من الرحيق وحتى من شمع العسل
ماتسمعه من نغمة أغنيتنا هي كلمات حزينة عل من يفهمها يعي ماحل بنا ويعود ليمنح حديقتنا ذاك القلب الذي سيعيد لها الحياة
حسنا صديقي ها انا قد جمعت لك أحرفك وسأضعها بقلم صنعته أنا ورفاقي خصيصا من أوردة أطفالنا الجياع علك تسطر كلمات تمنحنا الأمل .
أكتب صديقي ولتكن كلمات فيها المنجل والفأس…
كلمات تحمل مقصا ودلو ماء ..
كلمات تمنح حديقتنا نبض قلب متجدد لتعود الحياة تنبض بالحب
بقلم غسان يوسف (سوريا _طرطوس)

شاهد أيضاً

مقدمة في فن اكتشافات المقابر الأثرية.. كتاب جديد للدكتور سيد الطلحاوي

متابعة : ماهر بدر نشر الدكتور سيد الطلحاوي مدير عام آثار الدقهلية ودمياط ومدير بعثة …