الحقوق والحرمات فى خطبة الوداع ” الجزء التاسع”
إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع الحقوق والحرمات فى خطبة الوداع، ويقول صلى الله عليه وسلم “أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت، اللهم فاشهد قالوا نعم قال فليبلغ الشاهد الغائب،أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق، لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا.
وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا ألا هل بلغت، اللهم فاشهد،ايها الناس ان الشيطان قد يئس أن يعبد في ارضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من اعمالكم، وإن خطبة حجة الوداع كما جاءت عن الرسول صل الله عليه وسلم كاملة التي حضرها ما يقرب من مائة وخمسة وعشرين ألفا من الناس في مشهد عظيم مهيب، فكان في الخامس من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة أعلن الرسول صل الله عليه وسلم عن عزمه زيارة بيت الله الحرام حاجا، وأذن في الناس أن رسول الله صل الله عليه وسلم عزم علي الخروج لأداء فريضة الحاج فخرج معه ما يزيد عن حوالي.
مئة وخمسة وعشرون ألفا من المسلمين من الرجال و النساء، وخرج رسول الله صل الله عليه وسلم من المدينة مغتسلا متطيبا مترجلا متجردا، في ثوبين بإزار ورداء,وذلك يوم السبت لخمس ليال بقين من ذي القعدة في السنة العاشرة من الهجرة وقد استعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي الأنصاري ، وأحرم للحج ثم لبى قائلا “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لاشريك لك ” رواه البخارى، وبقي ملبيا حتى دخل مكة المكرمة وطاف بعدها بالبيت سبعة أشواط واستلم الحجر الأسود وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وشرب من ماء زمزم، ثم سعى بين الصفا والمروة، ومضي صل الله عليه وسلم إلي ذي الحُليفة فصلي بها الظهر ركعتين.
وأخرج معه نسائه كلهن في الهودج، وأشعر هديه وقلده ثم ركب ناقته، فلما استوي عليها بالبيداء أحرم بالحج، وانطلق حتى وصل مر الظهران يوم الاثنين وقد غربت الشمس, ثم أصبح فاغتسل ودخل مكة علي راحلته القصواء وقال” اللهم اجعله حجا لا رياء فيه ولا سمعة” وحين رأي رسول الله صل الله عليه وسلم البيت الحرام رفع يديه داعيا” اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمر تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا” ثم بدأ فطاف بالبيت إلي آخر المناسك، ثم قال أيها الناس، افسحوا وتباعدوا عن الطرقات، ألا ترون ذلكم الركب المبارك، في يوم السبت لأربع أيام بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة المباركة.
هكذا نادى منادي رسول الله صل الله عليه وسلم، بقصده الحج لهذا العام، فاجتمع حوله أكثر من مائة ألفا من الناس في مشهد عظيم، فيه معاني العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين، قبل ثلاث وعشرين سنة من ذلكم الوقت، كان هناك فرد وحيد، يعرض الإسلام على الناس فيردونه، ويدعوهم فيكذبونه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله، وها هم اليوم مائة وخمسة وعشرون ألفا أو يزيد يلتفون حول الصادق الأمين صل الله عليه وسلم في مشهد يوحي بأكمل معاني النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي لنا بأن الزمن وإن طال.