هل سنكون مع حرب الأيّام السّتّة الثّانية قريباً ؟!.
ما من شكٍّ أنّ الأزمات عموماً لا تنتهي إلّا بالحروب ، وانطلاقاً من ذلك فإنّني أرى أنّ الأزمة السّوريّة قد لا تنتهي داخليّاً وعربيّاً وإقليميّاً إلّا بحربٍ تشنّها ضدّ الكيان الصّهيونيّ أو مَن يسمّيه الإعلام الرّسميّ السّوريّ والخارجيّة ” إسرائيل ” في لغة الخطاب الإعلاميّ والسّياسيّ ، وقد لا أكون متّفقاً مع معظم المحلّلين الذين يستبعدون نشوب حربٍ بين سورية وذلك الكيان ، وإذا ما بدأت تلك الحرب ” المفتَرَضة ” فلن تكون محصورة بين الجانبين ، بل سيمتدّ سعيرها إلى معظم بلدان المنطقة ، وإن كانت المنطقة من وجهة نظر مختلف المحلّلين بعيدة عن أيّ حربٍ قادمة ، وهذا الكلام غير صحيح ، ولعلّي هنا أشير إلى حرب ليس بالضّرورة أن تكون عسكريّة رغم أنّي أرجّح الكفّة العسكريّة تَبَعاً للواقع السّياسيّ الرّاهن .
ولو اتّجهنا لإيران لوجدنا محادثات فيينا من أجل الاتّفاق النّووي الإيرانيّ ، والتّهديدات التي يطلقها الكيان ضدّ إيران من أجل إشعال فتيل حرب ، وقد يقول قائل : قد لا يجرؤ الكيان على فعل شيء ، وأنا هنا لا أؤكّد الجرأة أو أنفيها ، ولكن ليس بالضّرورة أن تبدأ الحرب بضربة من الصّهاينة بل العكس قد يكون صحيحاً ، وهنا قد يتبادر سؤال مهمّ :
لماذا لا تبدأ سورية بضربات لتكون ردّاً على الاعتداءات الصّهيونيّة ؟! ، وهنا أيضاً أقول :
إنّ الذين ينفون قيام حرب تبدأ شرارتها الأولى من الجولان هم أولئك الذين يحسبون الجيش العربيّ السّوريّ عاجزاً عن الرّد ، أو ربّما يقولون :
لماذا لم تقم سورية بهذا من قبل وانتظرت كلّ الفترة السّابقة لتبدأها الآن ؟! ، ولعلّي أشير أيضاً لما ذكرته في بحثي السّابق والمنشور قبلاً ، وهو بعنوان :” التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم ( اتّفاق السّلام ) بداياته ، أبعاده واستراتيجيّاته “، فقد ذكرت في الجزء الرّابع من البحث ما يلي :
” وتُعِدّ سورية ما تعرّضت له مؤامرةً كونيّة ذات جذور إسرائيليّة كونها مدعومة بأسلحة إسرائيليّة وفق ما أثبته الإعلام الرّسميّ السّوريّ ، كما تعِدّ المعركةَ مع الجماعات المسلّحة جزءاً من معركتها ضدّ العدوّ الإسرائيليّ _ وفق ما تسمّيه عبر ما ذكرتُه من إثباتاتٍ في الجزء الثّالث _ ولو أنّها قامت بالرّدّ على العدوان الصّهيونيّ منذ بداية الأزمة لاستطاعت أن توئد تلك المؤامرة قبل تفاقمها ، ولما استطاعت تلك الجماعات احتلال أراضٍ سورية داخليّة وهي التي مهّدت لدخول قوّات احتلال متعدّدة لربوع سورية ونهب خيراتها والإسهام في دمارها ” .
وليس خافياً على أحدٍ أبعاد الاتّفاق الإماراتيّ الصّهيونيّ وما يمكن أن ينجم عنه من وجود قواعدَ عسكريّةٍ صهيونيّة فيها ، وكذا الحال في وجود قواعدَ عسكريّة أمريكيّة في الخليج ، فهل كانت تلك القواعد لحماية المصالح الأمريكيّة في الخليج ؟، وماذا عن القواعد العسكريّة لها في سورية ، وهي تستنزف الثّروات السّوريّة وتسرقها إلى غير ذلك من أهداف بعيدة المدى لوجود تلك القواعد فوق الأراضي السّوريّة ، وهذا ما أشرت إليه في حوار لوكالة مهر الإيرانيّة بتاريخ 31/7/2017 ، وقد تناقلته وكالات الأنباء .
وبنظرةٍ متأنّية للواقع في الشّرق الأوسط حول تكرار الاعتداءات الصّهيونيّة ، فهل تمّت تلك الاعتداءات دون علم الجانبين الرّوسيّ والأمريكيّ ؟!..
ولا يغيب عن الأذهان الاجتماع الثّلاثيّ الذي جرى في تلّ أبيب بتاريخ 25/6/2019م ، وجمع بين كلّ من نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الرّوسيّ وجون بولتون مساعد الرّئيس الأمريكيّ لشؤون الأمن القوميّ وقتئذٍ ومئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ ، وكان الاجتماع برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل السّابق ، ودعا الاجتماع إلى ضرورة انسحاب القوّات التي دخلت سورية بعد عام 2011م ، وقال فيه نتنياهو :
” إسرائيل تدخّلت مئات المرّات لمنع إيران من التجذّر عسكريّاً في سورية ” .
وكانت إسرائيل تقوم بالاعتداء على الأراضي العربيّة السّوريّة دعماً ومساندةً للإرهابيين وسعياً لضرب مواقع إيرانيّة في سورية ، والهدف واضح يتحدّد في إبعاد إيران عن حدودها رغم أنّ هذا المطلب حدّدته إسرائيل في أثناء ذلك الاجتماع ، وجاءت الاعتداءات وازدادت على سورية ، وجاء اجتماع الحكومة الصّهيونيّة في الجولان يوم الأحد الواقع في السّادس والعشرين من الشّهر الحالي ليشكّل تحدّياً قويّاً لسورية ، رغم ما قدّمه بعض المحلّلين من آراء أظنّ أنّها لم تكن دقيقة وبعيدة عن الواقع في غالبها .
وأعتقد أنّ سورية لن يطول صمتها حيال تلك الاعتداءات ، وإنّه برأيي آتٍ لا ريب في ذلك بالتّعاون مع الجانب الإيرانيّ الذي تطالب كلّاً من روسيا وأمريكا وإسرائيل بخروجه من سورية ، ولن أكون مغالياً إذا تساءلت :
هل تتمّ الاعتداءات دون موافقة الجانب الرّوسيّ ؟ وإذا كان هدفها إبعاد إيران كما جاء في نتائج الاجتماع الثّلاثيّ آنف الذّكر فلماذا تعارض الاعتداء ؟!، وهل تزامنت حالة وجود طيّارة روسيّة في الهبوط مع الاعتداء الأخير بمحض المصادفة ؟!.
ومن الأهمّيّة بمكان الإشارة إلى ما قاله السّيّد لافروف وزير الخارجيّة الرّوسيّ في مؤتمر صحفيّ في موسكو مع نظيره الإسرائيليّ يائير لابيد أثناءها في مطلع الشّهر التّاسع من العام الحالي ، وهو يشير لتمسك بلاده بأمن إسرائيل ، وقال : ” أمّا بخصوص الغارات الإسرائيليّة على سورية ، فنحن نعارض تحويل سورية إلى حلبة الصّراع بين دول أخرى ، وفي هذا الصّدد لا نريد أن تُستخدم الأراضي السّوريّة لمهاجمة إسرائيل أو أيّ بلد آخر “.
وإذا دقّقنا في الاعتداء الأخير فقد أقرّت وزارة الدّفاع الرّوسيّة بعد ذلك الاعتداء على مرفأ اللاذقية قبل أيّام ، وكشفت تفاصيل الهجوم الإسرائيليّ على سورية مبيّنة أنّ القوات السّوريّة لم تتصد للمقاتلتين الإسرائيليتين بسبب هبوط طيّارة روسيّة في مطار حميميم وقت العملية ، وقال نائب مدير مركز حميميم للمصالحة اللواء أوليغ جورافليوف في بيان صدر عنه مساء يوم الثّلاثاء الماضي 28/12/2021 :
” قوّات الدّفاع الجويّ السّوريّة لم تدخل قتالاً جوّيّاً لوجود وقت الضّربة في منطقة نيران منظومات الدّفاع الجوّيّ طيّارة تابعة لقوّات النّقل العسكريّ للقوّات الجوّيّة الفضائيّة الرّوسيّة خلال عملية الهبوط في مطار حميميم “.
وادّعى النّائب الأوّل للممثّل الدّائم للاتّحاد الرّوسيّ في الأمم المتّحدة ديمتري بوليانسكي أنّ الاعتداء لم يكن بعلم الجانب الرّوسيّ ، فقال :
” نحن لم نوافق على أيّ عمل عسكريّ ضدّ سورية بما فيها الاعتداءات الأخيرة على مرفأ اللاذقية وندين ذلك الاعتداء ” ، وهنا نتساءل كيف تمّ الاجتماع وإقرار ضرورة إبعاد إيران عن حدود إسرائيل بناء للاجتماع الثّلاثي المشار إليه قبلاً وما قاله نتيناهو وتترجمه الحكومات الصّهيونيّة بما يتمّ على الأرض ، وبالتّالي إنّ روسيا تسعى لاستقرار أمن إسرائيل ، ولا يغيب عن الأذهان زيارة الرّئيس بوتين لسورية التي سعى من خلالها لعدم مشاركة سورية في الرّدّ الإيرانيّ الذي كان محتَمَلاً بعد استشهاد اللواء قاسم سليماني ، وهذا ما ذكرتُه في الإعلام الرّسميّ السّوريّ .
وأرى أنّ خروج إيران من سورية قد يتمّ ولكن بعد حرب قادمة تكون مقدّمة لتسويات عديدة في الشّرق الأوسط عموماً ولسورية على وجه الخصوص ، ولا أظنّ سورية تقبل باستمرار الاعتداءات على أراضيها وشعبها ، وإن خالفت الحليف الرّوسيّ ..
كما أنّ ما يتردّد على ألسنة بعض المحلّلين عن عودة سورية للقمّة العربيّة وعن بعض المعارضات التي نسمع بها من السّعوديّة أو سواها ، فما ذاك إلّا فقاعات هوائيّة لن يكون لها تأثيرها بعيد المدى .. وسنرى أنّ التّطبيع السّوريّ مع إسرائيل سيكون مدخله تلك الحرب القادمة المفترضة التي باتت وشيكة بعد سلسلة اعتداءات وتحدّيات صهيونيّة يقوم بها الجانب الصّهيونيّ متعمّداً تحقيقاً لأهدافٍ محدّدة ومخطّطٍ لها منذ سنوات مع المجتمع الدّوليّ .
وإنّ الأحداث التي مرّت أو تمرّ في سورية تؤدّي إلى تلك الحرب خصوصاً أنّ الشّعب العربيّ السّوريّ بات الآن مستعدّاً لأيّ شيء يعيد له أمنه واستقراره بما في ذلك التّطبيع مع الجانب الصّهيونيّ بعد حالات الحصار التي جعلت أكثر من تسعين بالمئة من السّوريين تحت خطّ الفقر وفق تقدير مارتن عريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتّحدة للشّؤون الإنسانيّة في أواخر الشّهر العاشر من عام ألفين وواحد وعشرين ، وهذا ما سبق أن أشرت إليه في بحث من سلسلة مقالات أو أجزاء عنوانه : :” التّطبيع السّوريّ الإسرائيليّ القادم ( اتّفاق السّلام ) بداياته ، أبعاده واستراتيجيّاته ” ، فهل تستعجل إسرائيل نهايتها ؟! ، وهل ستشهد المنطقة حرباً ثانية للأيّام السّتّة قادمة بين محور المقاومة والصّهاينة ؟!.. سنتابع المشهد السّياسيّ القادم وما ستحمله الأيّام من مفاجآت ..
بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية
وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية