الشعر بين الخَلق والولادة
عيد الكريم احمد الزيدي
العراق / بَغداد
ربما يكون العنوان مطروقا في الحوارات الادبية والجدل المذهبي في الرسائل الانسانية وعوالم الثقافات والفنون ، ولكني وجدت من المفيد ان نضع في مكتبات النقد والفكر الادبي وصفا يوافق والعمق الانساني لمادة الشعر وفلسفة عقيدته .
وهنا لابد قبل التطرق الى مادة المقال ان نتحرى مفهوم الخَلق الذي جاء بمعنى الايجاد من العدم ، الابتكار والابداع وبهذا المعنى فأن الخلق في معنى الشعر هو الاستحداث والنشأة والتصوير ، اما معنى الولادة فهو الأحياء والوضع والظهور الى عالم الوجود وهو بمعناه في الشعر انما اريد به بعث ما موجود اصلا واظهاره بصفته الحية ، ولربما سأكتفي بهذه المعاني دون الخوض في دلالاتها اللغوية لكي نركز في بحث مفهوم الشعر المولود واقترانه بمفهوم الخَلق الذي يأخذ بعدا مغايرا اذا ما اردنا التفريق او التمييز بينهما .
ولطالما يختلط على الكثيرين بين المفهومين ليقولوا ان فلانا شاعرا مبدعا وخَلّاقا واخر شاعرا اصيلا حيّا ، لكن الحقيقة لها معنىً اخر في التوصيف ذلك ان الشاعر الحقيقي يولد بموهبته التي تأتي بالفطرة دون ان يتدخل فيها مفهوم الخلق والظهور ، ولهذا السبب نجد من الجنس الادبي نوعين من الشعراء ان صح التعبير لا يلتقيان في خط واحد ولا يبغي احدهما على الاخر مهما تشابه في التصوير والهيئة .
ولكي اكون اكثر وضوحا في التحليل ، فأن الشعر مادة فطرية موجودة في اصل الولادة ولا تأتي بالنشأة والتحديث بل هو حس يخالج الروح منذ وجودها فتنازع صاحبها حتى يضع مادتها دون الحاجة الى الاستحداث والابتكار ، وينقلها حية بلا عناء الى حيث مكانها الصحيح وهذا يختلف كثيرا فيما لو تدخلنا في خَلق الحس وتغليفه بمادة الشعر التي بأيجاب خلقه لن يكون الا ضربا من الالزام والحكم ولا يقع في موضعه مهما حاول صاحبه التزويق والتلوين فيه .
بهذا المعنى صار من السهولة بمكان ان نميز بين الخَلق والولادة في الشعر ، وان نتعرف من خلال قراءة المادة الشعرية التفريق بينهما والحكم بلا اختلاق او تحامل لنتعرف على شخصية الشاعر ونسميه دون افتراء او اجحاف .
فالشاعر الحي بموهبته وحسه الفطري يحاكي ضمير القارئ والمتلقي ويفوز بقناعته التي تأخذه الى حيث يشعر وكأنه المخاطب في القول ولا احد غيره ، ويعيش حدث النص الشعري بترتيبه وتوصيفه كما لو كان الشاعر يعنيه بكل ما فيه من حس وادراك ، فيما يبقى الشاعر الخلّاق على مسافة من القارئ والمتلقي من خلال شعوره بأن الحدث والتوصيف مقصود لغيره ولا يعنيه بذاته .
بقى لدي ما اشير اليه بأن الفارق في الحس يبقى هو الحكم والدليل بين جنسي الشاعرين وان تشابه كليهما في المادة الشعرية وصياغة المبنى والمعنى وحاول احدهما الاستحداث والابتكار والسعي لاصطياد اللفظ وتوظيفه في مواضع التأثير على القارئ او المتلقي والتقرب الى وصف العنوان الادبي بالشعر الخلّاق .