أخبار عاجلة

قلوب بيضاء

(قلوب بيضاء)
قصة مسلسلة
بقلم :تيسيرمغاصبه
————————————————————-
-١١-
،،،شموع،،،

بعد أن هاجرت سماح مع زوجها المؤلف الموسيقي
مثقال القاسم إلى أمريكا ،
لم يعانيا كثيرا في البحث عن منزل للبيع ،فيبدو
أن الأقدار كانت تخدمهما فوجدا منزلا جميلا كان
كما وأنه يكلمهما ويقول لهما “أنتما أصبحتما من
الأن أمريكان “.
أما من ناحية مواهبهما وعبفريتهما، فمنذ البداية
قد إنبهر الجميع بهما ،وقد إنهالت عليهما العقود،
فكانت سماح تدرس الموسيقى والنوتة في مركز
كبير ،وتدرسها للمبتدئين في مركز أخر،
أما زوجها مثقال ..فكان كما وأنه بركان من الإبداع
والفن قد تفجر فجأة بمجرد وصوله إلى أمريكا،
أي بتعبير أخر؛ كما وأنه كان معتقلا وخرج
فجأة إلى النور ،أو كان ميتا واعاده الله إلى الحياة
من جديد،
كان يتعلم بسرعة ويتطور بشكل مذهل،
بل أصبح مبتكرا؛ بأن أضاف الأوتار لبعض الآلات
الوترية، وقدم فكرة لتطوير أحدى آلات النفخ
القديمة،
وكون مثقال فرقة تضم أكثر من أربعين عازفا،
كان يؤلف المقطوعات كذلك الموسيقى التصويرية
للأفلام ،وموسيقى المسرحيات الحية المباشرة،
لم ينظر إليهما على إنهما عرب ..بل كان الجميع
يفتخر بأن يصفهما بأنهما أمريكان،
أما سماح فكانت تؤلف المقطوعات الموسيقية
المؤثرة وكانت معزوفتها الأولى بعنوان “حبيبي”،
وهي هدية قدمتها لزوجها وحبيبها مثقال ،
اعقبتها بمعزوفة “انا معك” لتحثه بها على المزيد
من العمل والمثابرة ..والصمود والمواصلة،
وأخر تلك المعزوفات كانت “أبي” ثم معزوفة
“أمي” و”أخواتي “تعبر بهن عن شوقها لأسرتها
البعيدة،
تمر الأيام سريعا دون أن يشعرا بمرورها..ويفاجىء
مثقال الجميع بأن بدأ بتأليف السمفونيات ويصبح
المايسترو الذي يقف الوقفة المهيبة أمام الفرقة
وظهره للجمهور الضخم الراق،
الف عدة سيمفونيات منهن “ملهمتي” وجميع
تلك السمفونيات تعتبر بمثابة هدايا لزوجته سماح
تقديرا لوقوفها إلى جانبه وإخراجه من حزنه إلى
الحياة ،
يوما ما وقع أرضا أثناء أحدى البروفات مع الفرقة
على سيمفونية، فنصحه طبيبه أن
لايرهق نفسه بعد اليوم لأن قلبه لم يعد يحتمل
ضغط دماغه العجيب وعبقريته المدهشة،
أن المجهود الذي يبذله لايمكن أن يحتمله بشر،
فقرر أن يصطحب زوجته سماح للسفر إلى
باريس لقضاء فترة نقاهة ليتفرغا خلالها لانفسهما،
فهما بالفعل باشد الحاجة إلى الراحة ليكونا
كعشاق..كعشاق فقط.. بعيدا عن الموسيقى
ويعودان بعد ذلك إلى العمل ،لكن كيف وأن
كل مافيهما ينبض بالموسيقى،
أثناء سفرهما في الطائرة نظر مثقال إلى سماح
متأملا وجهها الجميل الذي يشع نورا ..نظر
إليها طويلا ثم همس إليها:
-الله..ماكنت عارف قديش انت حلوه ؟
أبتسمت سماح واحمرت وجنتيها خجلا..أمسك
بيدها..قبلها وقال معتذرا:
-حبيبتي..يمكن إني أكون إنشغلت عنك شوي
بدي تسامحيني؟
ردت سماح برقة وهي تميل برأسها على كتفه:
– انا عارفه حبيبي أنه كل هذا إلي بتعمله عشاني
وعشان مستقبلنا مع بعض لتحقيق احلامنا؟
قال :
-بس بعد ما أقدم سيمفونية “الأمل”رايح
آخذ إجازة أطول بكثير حتى إنلف فيها العالم
انا وانت ؟
-إن شاء الله ..حبيبي انا سعيده طول ماانا معك؟
ثم قال وكانه تذكر شيئا:
-حبي الوحيد”…معزوفة هسى اجتني..هسى…
مقطوعة إلك خصيصا..بدي اسميها
حبي الوحيد؟

* * * * * * * * * * *

يمضيان أسبوعا كاملا في اجمل وأفخم فنادق
باريس ثم يعودان إلى أمريكا،
وفي اليوم الأول بمنزلهما تصحو سماح على
صوت البيانو المنبعث من صالة الجلوس ..تنهض
من فراشها..تدخل إلى المطبخ لتعد قهوة الصباح
على أنغام البيانو الدافئة،
عادت إلى الصالة وهي تحمل صينية فناجين
القهوة ..وضعتها على المنضدة ومثقال لايزال
مستمرا بالعزف وهو ينظر إليها مبتسما،
أما هي فكانت منسجمة مع العزف محلقة معه
في عالم جميل ،عندما إنتهى من العزف ألقت
عليه تحية الصباح ..رد بحنان :
-صباح الورد يا حياتي؟
-إيش هذا السحر والجمال حبيبي.
-ألله ماأحلاها من شفايفك..طيب اقعدي واسمعيها
من أولها..هذه معزوفة “حبي الوحيد “هديتي
إلك؟
جلست سماح لتحلق من جديد في عالم الخيال
والجمال ،وهي ليست أول معزوفة يهديها لها،
لكن هذه المعزوفة كانت مختلفة.

* * * * * * * * * *

أستعد مثقال للدخول إلى الصالة الضخمة ليقف
أمام الجمهور الكبير ليقدم سيمفونيته الجديدة
العظيمة “الأمل”،فكان مرتبكا جدا كما وأنه سيقف
أمام الجمهور لأول مرة في حياته وقال لسماح:
-خليكي قريبة مني بدي كل ما إطلعت أشوفك؟
قالت سماح مشجعة:
-أنا معك دايما..أيش مالك حبيبي ..تشجع؟
أحتضنته بحنان كما وإنها تودعه للسفر ..منحته
الشجاعة..فدخل المايسترو والمؤلف والمبتكر
العظيم مثقال القاسم إلى الجمهور ..ضجت
القاعة بالتصفيق الذي استمر لربع ساعة وهو
منحنيا أمامه ،
ثم إستدار إلى ناحية الفرقة الضخمة..رفع عصاه
بيد ورفع يده الثانية ..أعطى إشارة للفرقة بالبدء.
فبدأت الفرقة بالعزف وسط إنبهار الجمهور الذي
لم يكن يريد للفرقة أن تتوقف عن العزف ابدا،
وعندما أنتهى من سيمفونيته الطويلة ضجت
القاعة من جديد بالتصفيق وهم وقوفا هذه
المرة وهو منحيا بإحترام وتواضع..رفع مثقال
ظهره لينظر فقط إلى سماح ويعود وينحني
لها ..فجأة وضع يده على قلبه ثم تهاوى على
خشبة المسرح ..سقط دون حراك ..ضجة القاعة
أكثر وأكثر..جرت سماح إليه ..صعدت على
خشبة المسرح ..احتصنته..دخل طبيبة مع
مجموعة من المرافقين الذين حملوه ليدخلوه
إلى الكواليس ..هناك بعد أن فحصه الطبيب
هز رأسه وقال آسفا:
-أنا آسف جدا …لقد رحل.

(يتبع…)
تيسيرمغاصبه
٢١-١١-٢٠٢١

شاهد أيضاً

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد

رواية رائحة العندليب حوار أدبي || مع الروائي السعودي عبدالعزيز آل زايد حوار: د.هناء الصاحب …