إسلاميات ومع ترجمان القرآن “الجزء الثامن عشر ”
إعداد / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثامن عشر مع ترجمان القرآن، وقد أرسله الإمام علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس، فرجع منهم ألفان، وخرج سائرهم، فقاتلهم المهاجرون والأنصار، ومن حواره معهم، وقد سألهم ابن عباس، ماذا تنقمون من علي؟ قالوا: ننقم منه ثلاثا، أولاهن أنه حكم الرجال في دين الله، والله يقول “إِن الحكم إلا لله” والثانية أنه قَاتَل، ثم لم يأخذ من مقاتليه سبيا ولا غنائم، فلئن كانوا كفارا، فقد حلت له أموالهم، وإن كانوا مؤمنين، فقد حرمت عليه دماؤهم، والثالثة رضى عند التحكيم أن يخلع عن نفسه صفة أمير المؤمنين، استجابة لأعدائه، فإن لم يكن أمير المؤمنين، فهو أمير الكافرين، فقال ابن عباس ” أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله، فأي بأس؟
إن الله يقول “يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ” وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه، ولو شاء لحكم فيه، فجاز من حكم الرجال، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين، وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب؟ وفي المرأة وزوجها يقول الله تعالى “وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها” فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟ وأما قولكم أنه قاتل ولم يسبى، ولم يغنم، أفتسبون أمكم السيده عائشة رضى الله عنها، أى تأخذونها أسيره، وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم؟
فإن قلتم إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم، وإن قلتم ليست بأمنا فقد كفرتم والله تعالى يقول “النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم” فأنتم بين ضلالتين، فأتوا منها بمخرج، وأما محي نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، إن نبي الله صلى الله عليه وسلم، يوم صلح الحديبية، صالح المشركين فقال لعلي ” اكتب يا علي، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ” قالوا، لو نعلم أنك رسول الله، ما قاتلناك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” امح يا علي اللهم إنك تعلم أني رسول الله، امح يا علي، واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خير من علي، وقد محى نفسه.
ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة، وكان بن عباس قد ولاه الإمام علي بن أبي طالب على البصرة، وكان إذا خرج منها يستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة، وزياد بن أبي سفيان على الخراج، وهو أول من عرّف بالناس في البصرة، فكان يصعد المنبر ليلة عرفة ويجتمع أهل البصرة حوله فيفسر شيئا من القرآن، ويذكر الناس من بعد العصر إلى الغروب، ثم ينزل فيصلي بهم المغرب، ويقول ابن كثير “وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم، فلم يزل عليها حتى مات الإمام علي” وقد قيل إن الإمام على عزله عنها قبل موته، ثم وفد على معاوية فأكرمه وقربه واحترمه وعظمه، وكان يلقي عليه المسائل المعضلة فيجيب عنها سريعا.
فكان معاوية يقول “ما رأيت أحدا أحضر جوابا منه” وكان هناك اختلاف بين المؤرخين، فقد ذكر محمد بن جرير الطبري في تاريخه أنه تولى البصرة من سنة سته وثلاثين من الهجره، حتى سنة تسعه وثلاثين من الهجره، ثم خلفه عليها أبو الأسود الدؤلي، وقد جاء في بعض الروايات بأن عبد الله بن عباس ظل واليا على البصرة في عهد الحسن، حتى عقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان، ثم خرج من البصرة معتزلا السياسة قاصدا مكة المكرمة وتفرغ للعلم والتعليم، وتذكر بعض الروايات الأخرى أنه خرج من البصرة وذهب إلى مكة بعد مقتل علي بن أبى طالب، وقد قال ابن الأثير الجزري أن هذه الرواية الثانية أصح، وإنما كان الذي شهد صلح الحسن.