أخبار عاجلة

الإسماعيلية -طوكيو

الإسماعيلية -طوكيو
بقلم السيناريست /عماد يوسف النشار
عضو اتحاد كتاب مصر
في الوقت الذي كان فيه سفاح الإسماعيلية يقوم بفصل رأس ضحيته وسط أحد شوارع مدينة الإسماعيلية الهادئة في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من المارة ، وبعدما تقمص شخصيات درامية من عينة(إبراهيم الأبيض وحبيشة وأولاد رزق” والتي قام بها نجوم الشباك والتريند في مصر والوطن العربي ، كان هناك وعلى بعد آلاف الأميال بمدينة طوكيو عاصمة بلاد الشمس المشرقة ، شاب ياباني يرتدي قناع بطل فيلم “الجوكر” ، استقل إحدى عربات مترو طوكيو ،واستل سكينه الحاد وأخذ يطعن في ركاب العربة بلا رحمة حتى نال نصله من ستة ركاب ، وسط صراخ وذعر وفرار كل من في العربة ، وإمعاناً في تقمص دور الجوكر وللأمانة الدرامية في إثبات التفوق “الإجرامي” على نجمه المفضل ، وكما اقتدى توأمه “الإسماعيلاوي” بشخصيات نجومه المصريين وجوّد في الأداء حتى تفوق عليهم ، حذا حذوه الشاب الياباني واستعاض عن فصل الرأس برش العربة بمادة حارقة وقام بإشعالها عوضًا عن ثقافة”الساطور” التى ربما يفتقدها الجوكر الياباني ، الذي جلس بعدما أنهى مشهده الدامي وخلع عن وجهه قناع بطله المفضل واضعًا ساق على ساق وأشعل سيجاره بمنتهى الهدوء والرضا مطالباً بتنفيذ حكم الإعدام فيه ، الحادثتان رغم بُعد المكان وإختلاف الثقافات بين شعوب العالم الأول والعالم الثالث ، يثبتان بالدليل القاطع الذي لالبس فيه الأثر الكارثي لتناول العنف بأبشع صوره في الدراما ، والتي للأسف أصبحت تلقى رواجاً ونسبة مشاهدة عالية من الجمهور ، وهذا مايفطن له جيدًا صنّاع الدراما ، معتمدين على الإضطرابات النفسية والخلل الفطري الذي أصاب الشعوب والمجتمعات في العالم في النصف قرن الأخير ، حتى وصل عدد مرضى الإضطرابات النفسية في العالم لمليار مريض(الف مليون) حسب تقرير منظمة الصحة العالمية ، والتى أرجعت أغلب هذا الرقم الرهيب في أعداد مرضى الإضطرابات النفسية إلى هوس التقدم التكنولوچي والتلفاز ووسائل التواصل الإجتماعي والتطبيقات والألعاب ، والتي ساهمت بشكل كبير في نشر السلوك العدواني ومخاطبة كل الفئات العمرية بدايًة من أفلام ومسلسلات الكارتون التي تدس السم في العسل والموجهة للأطفال والنشئ ، إلى جانب الألعاب القتالية بشتى صورها ، مروراً بفئة المراهقين والشباب بأفلام الرعب والأكشن والسيكودراما إلى جانب الكثير من الألعاب والتطبيقات الشاذة عن الفطرة الإنسانية التي تشجع على العنف والإنتحار وكان أخرهم لعبة الحوت الأزرق .
ربما تكون هذه السلوكيات العدوانية المصحوبة بتأثيرات الدراما والألعاب الالكترونية إعتاد عليها الغرب كلما وقعت حوادثها من وقت لآخر ، كما أن لديهم القوانين المُفعلة التي تحد من إنتشار هذه السلوكيات ، كما أن لديهم كيانات حكومية ومجتمعية متخصصة في دراسة وتتبع هذه الظواهر وعلاجها ، وتأهيل أطرافها من جناة وضحايا ، تأهيلاً نفسياً يمكّنهم من العودة للإنخراط في المجتمع بنفوس وسلوكيات سوية ، كما أن لرقي التعليم والثقافة والعدالة الإجتماعية التي يرفل في نعيمها مواطنين العالم الأول ، دور كبير في الحد من إنتشار هذه الجرائم السلوكية وتجاوزها وسد الثغرات ومواطن الخلل ، وعدم الوقوف أمامها ، وتسخير كل الوقت في الحديث عنها من إعلام وجماهير ، تاركين الأمر لأهل الإختصاص ، دون تضيع وقت في “الهري” بالساعات وربما الأيام والأسابيع كما هو حال مجتمعاتنا “الفاضيه” والبائسة بإيدينا ، بعدما قلدنا الغرب في كل مساؤه فقط ، ولم نقلدهم في العلم والعمل ، بل لم نترك نقيصة عنهم إلا أتينا بها وطبقناها حتى أصبحت أغلب طبائعنا قبل أشكالنا مجرد مسوخ وأشباح لنتنافس بضراوة من أجل القضاء على مابقي من إنسانيتنا وفطرتنا وفضائلنا التي جعلتنا خير أمة أخرجت للناس ، لقد فسدت الأخلاق وضاعت القيم وماتت التربية ، بعدما عهدت الأسر للشاشات في تربية أبنائها دون رقابة ومتابعة ، بل واستدانت وأقترضت وباعت بعض من أثاثها كي تشتري هواتف لأطفالها ومراهيقيها حتى لايشعروا بالنقص ! ، وكأن “الهيافه” وضياع الوقت هما الكمال بعينه ، منذ زمن قريب كنا نصرخ ونستغيث من أطفال الشوارع ونصِفهم بالقنابل الموقوته ،بينما نصنع في بيوتنا من فلذات أكبادنا قنابل أشد فتكاً بنا أولاً قبل مجتمعنا ، ننجبهم كي نرضعهم أفلام ومسلسلات كارتون مسرطن ونغذيهم على ألعاب وتطبيقات مسممه ونروي ظمأهم بنفايات مايسمى بأغاني المهرجانات ، أضف على ذلك تخلي الدولة عن دورها الأساسي في إعداد ثروتها البشرية المهولة والعناية بها وراعيتها من تعليم لدين لصحة لرياضة لإعلام وثقافة ، بعدما اكتفت بسن التشريعات والقوانين واللوائح والمواثيق التي تحد وتقضي على الظواهر والسلوكيات السلبية والمنحرفة دون تفعيل حقيقي ورادع ، رغم وجود الوزارات والهيئات المعنية بذلك “على الورق” والتي تضم الاف الموظفين الذين يكبدوا الدولة المليارات من ميزانيتها السنوية مابين رواتب وحوافز وبدلات ، وبنود قائمة الإنفاق تطول دون مردود حقيقي ، إلا من بعض العبارات الإنشائية التي لاتتجاوز فم منشدها ، كما كان لإنعدام العدالة الإجتماعية في توزيع الفرص والوظائف الدور الأكبر في إتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء حتي باتت هوة سحيقة قريبة من إبتلاع الجميع بعدما أقتصرت الأموال والشهرة على قشرة بعيدة كل البعد عن صلب المجتمع ، غالبيتهم ممن يحسبون أنفسهم على وسط يُدعى فني ، تصدروا المشهد دون موهبة ودلالات عملية حقيقية وموضوعية مقنعة ، ثُلة و “شلة” جمعتهم المصالح والرغبات أحكموا غلق دائرتهم عليهم وراحوا يعتلون رؤس الخلق بطبقية وعجرفة مقيتة ، يتباهون بملابسهم وحجم إنفاقهم بالدولار على الولائم والحفلات والسهرات والأسفار ، وإمتلاك القصور والطائرات والسيارات ، والإعتناء بكلابهم وقططهم الذي يزيد مبلغ الإنفاق اليومي عليهما ، عن الدخل الشهري لأسرة مكونة من أربع أفراد تعاني من زيادة سعر البيضة ونقص حجم “قرص” الطعمية ورغيف العيش وعدد حبات الفول المدمس في ظل الإرتفاع اليومي الجنوني للأسعار ، كل هذه الأسباب دفعت وستدفع الفقراء لمزيد من السلوكيات المنحرفة والعنيفة التي تزداد كل يوم .

شاهد أيضاً

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني

احتفال سفارة إسبانيا بالكويت بعيدها الوطني كتب : دكتور فوزي الحبال إحتفل السفير الإسباني بالكويت …