أزاهير الطفولة
رائدة أدب الطفل الكاتبة الشاعرة القاصة المسرحية العُمانية د. وفاء الشامسي
أنا ما زلتُ واقفة
وما حددتُ وجهاتي
وبين الرفض واللارفض
تؤرّقني خياراتي
خسرتُ معاركي دوما
لأني اشتري ذاتي
فما ارجأتُ خاتمة
وما حانت بداياتي ”
عندما نتوقف مع المبدعين حول الكتابة عن الطفل قديما وحديثا بمفهوم غريزة الأبوة نستحضر هذه الكلمات لحِطّان بنِ الْمُعَلَّي الطَّائِي :
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا * أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم * لامتنعتْ عيـني من الغَمْضِ .
و من ثم أرى هنا في تلك السطور – وقد تناولت عدة دراسات مفصلة عن أدب الطفل من قبل – إن عالم الكتابة للطفل سواء مقروءة أو مسموعة عملية معقدة ومركبة تحتاج إلى موهبة واستعدادات نفسية و إدراكية واجتماعية و علمية مترابطة مع اعتدال مزاج المبدع الانفعالي داخل الفنون الجميلة هكذا .
سيان كانت الكتابة للطفولة شعرا أو نثراً و قصص و مسرح بجانب الرسومات التي تستوعب ملامح التجربة ذاتها .
ومما لا شك فيه ولا جدال فمنذ بداية الارهصات الأولى لعالم النشأة لهذا الأدب الهادف في التربية وتعديل السلوك ، أضف إلى الأخلاق وغرس القيم في إطار الفكرة و العاطفة و الأمومة و الحياة بعناصر الحيوان و الطير و الفراشة الصداقة و الرحلات في أسلوب مبسط مشوق تراثي وعلمي وتعليمي .
و مخاطبة المرحلة العمرية بما يواكبها من تحولات و متغيرات و تطورات واتجاهات نحو رسم هوية هذا الكائن بين ظلال الوطن من خلال بيئة تؤمن به شكلا و مضمونا وتوفر له كافة حقوقه المناسبة و المشروعة …. الخ
فقد برزت فكرة الكتابة للطفل قديما عند الحضارات و في المجتمع الجاهلي العربي قبل ظهور الإسلام .
و كانت الشيماء السعدية ترتجز ترقص محمدا قائلة :
يـا ربّـنـا أَبـقِ لَنـا مُـحمّدا
حـتّـى أَراه يـافـعـاً وأمـردا
ثـــمّ أَراه ســـيّــداً مــســوّداً
وَاِكبت أَعاديه مَعاً والحسّدا
وَأعــطــهِ عــزّاً يَــدومُ أَبــدا .
ومن ترقيص الأعرابيات:
يا حـبذا ريـح الولد
ريـح الخزامى في البلد
أهـكذا كـل ولـد
أم لم يلـد قـبلي أحد.
ثم نتوقف في العصر الحديث لنجد في الأدب العالمي والعربي أسماء كٌثر مثل : تشارل بيرو الفرنسي سندريلا و بوشكين الروسي دانييل ديفو الإنجليزي و هانس كريستيان أندرسن الدنماركي .
و في الأدب العربي الحديث للأطفال:
أبدع أمير الشعراء في ديوان شعري خاص بالأطفال يسرد فيه القصص و الحكايات على لسان الحيوانات و الطيور و الزهور في توظيف الرمز و الاسطورة في تيسير ،ثم تتوالى التجارب شرقا وغربا في وطننا العربي في محاولات محدودة .
من أهم رواد أدب الأطفال في العالم العربي :
هو رفاعة الطهطاوي، فهو أول من قدّم للأطفال العرب فنًا أدبيًا خاصًا بهم، رغم أنّ هذا الفن كان مترجم .
وجاء بعد ذلك أمير الشعراء أحمد شوقي، فألف أدبًا باللغة العربية للأطفال كما أسلفنا سابقا ،وتوالت الكتابات حول أدب الطفل فزاد اهتمام الأدباء والشعراء فألفوا قصصًا وأشعارًا خاصة للطفل من هؤلاء : محمد الهراوي، وكامل الكيلاني، ومحمد سعيد العريان و عبد التواب يوسف ويعقوب الشاروني و أحمد محمود نجيب و طارق البكري و أحمد فضل شبلول وشهاب سلطان وعبده الزراع ومحمد إسحاق ، محمد جلال عثمان .
و أمل فرح المصرية ولينا كيلاني السورية و هدى الشوا قدومي الكويتية ، نبيهة محيدلي اللبنانية وسناء كامل شعلان الأردنية وسونيا نمر الفلسطينية ومريم صقر القاسمي السعودية وسارة طالب السهيل العراقية ونسيبة العزيبي الإمارات ،والكثير و الكثيرات .
وما زال أدب الطفولة ينهض ويهتم به الأدباء حتى وقتنا الحاضر ويحتاج في ظل السموات المفتوحة إلى جهود كبيرة لاستيعاب حركة الحياة في البيئة العربية .
و في هذا اللقاء بعد هذا العرض نتوقف مع كاتبة عٌمانية الدكتورة وفاء الشامسي ابنة الريف و القرية ثم توظيف المدينة كما في ( أزاهير الطفولة ) و التي سجلت حضورا ملحوظا و متباينا ذات دلالات استثنائية ترسم وتجسد و تقترح في تهويمات تعالج بروح العاطفة و الأمومة هذا المنحنى لكافة الفئة العمرية على الساحة في الفترة الأخيرة .
حيث إنها تؤمن بدور الطفولة في التمثيل الأدبي الشمولي وسط إرادة فئه ترى الطفل في نفسها منذ نعومة أظفارها ومحور الشخصية ولذا نهضت تترجم بواعثها في تلقائية تجسد الإطار البنائي الفني في تناغم منقطع النظير .
النشأة :
نشأت الشاعرة والكاتبة العمانية الدكتورة وفاء الشامسي ، في قرية جميلة، صادقت فيها الجبل والسهل، وترعرعت بين الوادي وأشجار النخيل، وساقية الفلج .
في ريف محافظة البريمي بسلطنة عٌمان وشغفت بحب الطفولة منذ ميعة الصبا و درست آداب اللغة العربية وتخصصت في فنونها بين عملها كمعلمة بالمدرسة و محاضرة بالجامعة .
وهي ناشطة في المجالات التطوعية الاجتماعية والثقافة المدنية، ومؤسسة صالون “مساءات ثقافية” منذ عام 2010 في سلطنة عمان، ومشرفة على فرع “الجمعية العمانية للكتاب والأدباء” في محافظة البريمي.
شغلت عضوية مجلس إدارة “الجمعية العمانية للكتاب والأدباء”.
صدر لها مجموعتان شعريتان، الأولى بعنوان “عتبة للانعتاق”، والثانية بعنوان “أزاهير الطفولة” وهي أشعار موجهة للطفل.
كذلك ألّفت العديد من النصوص المسرحية، منها: “الألوان”، و”كنكون”، و”رحلة البحث عن الكنز”، و”الانتظار”، و”قمر وصحراء”، كما صدر لها كتاب بعنوان “أقنعة الانتظار” عام 2016 م .
وشاعرتنا تحمل شهادة الماجستير في مناهج وطرق تدريس اللغة العربية، من جامعة مؤتة 2014م.
و حاصلة على دبلوم رعاية الموهوبين 2005م، ودبلوم إدارة الموارد البشرية 2006م، ودبلوم تعليم العربية للناطقين بغيرها 2018م.
و تعمل محاضرة في قسم اللغة العربية في الكلية الجامعية ـ جامعة الإمارات.
وقد أسهمت بشكل فاعل، وما أزال، في أدب الطفل واليافعين، ومناهج اللغة العربية على المستوى الإقليمي.
و شاركت بعدد من المؤتمرات المحلية والعربية والدولية، فيما يخص اللغة العربية واستراتيجيات تطوير مناهجها.
ولها نحو أربعين إصدارًا في مجال أدب الطفل واليافعين، شعرًا وقصة ومسرحًا، إضافة إلى إشرافها على مشروعات تتعلق بإنتاج قصص الأطفال والمسرحيات الداعمة لمناهج اللغة العربية.
كما تعد أحد أعضاء الفريق الذي حاز على جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية في التعليم الإلكتروني عام 2017.
نعم إنها من الوجوه البارزة التي شكلت فكر ووجدان الخريطة الثقافية من وحي البيئة العربية نحو الارتقاء مع الحداثة و التحولات المرحلة التكنولوجيا .
ظلت مع معية الطفولة بكل المقومات إيمانا منها برسالتها تجاه الفئة العمرية المستهدفة .
و في مدينتها شجعت النساء على القراءة والكتابة، وإظهار مواهبهن، تتوجه في إصداراتها للكبار حيناً، وللأطفال حيناً .
ديوان ( أزاهير الطفولة) : فهي عبارة عن أشعار موجهة للطفل
فقد تنوعت الموضوعات المطروحة فيها بين القيم والأخلاق والمعارف وأشعار في حب الوطن والعلم وغيرها.
مختارات من شعرها :
تقول شاعرتنا وفاء الشامسي في بعض نصوصها الحديثة ترسم هالات من الصمود و التحدي أمام عتبات الانزواء تترجم لنا فيها بواعث النفس المتعبة من أوجاع التلاقي و التلاشي :
كتغريدةٍ فائتة
كمنشور نعيٍ حزين
ستُرمَى أمامك يا غائبا
تفاصيلُ موتي
وأني توفيتُ إثر انتصار (الخبيث)
وأني صبرتُ كثيرا
وقاومتُ دهرًا
لأنك منّيتني بالبقاء
لعلك حين ينادون باسمي
ستكرمني بالدعاء
لعلك مثل الجميع
ستنشرُ تعزيةً أو رثاء
وتذكر أني بيومٍ طلبتك ألا تقدّم فيّ العزاء
ستمضي
وأمضي
ولن تنسَ يومًا دموعي
وصوتي
ستبحث عنّي بوجه السماء
وفي كل وجهٍ
تراه؛ تراني
وفي كل زاويةٍ سوف تلقى
ضفائر شِعري
وعطري
وأغنية الانتصار
ستهرب مني إليّ
وتحمل ذنبي طويلا
لعلك يوما لقبري تزور
تقدّم رسم اعتذار
وتطلب مني انعتاقا
وتهمس لي في الخفاء اعترافا
ولكن، بماذا ستعترفُ الآن؟ قل لي
وعندي تفاصيل كل المشاهد
ستحملك الذكريات القديمة
ستعرف كم كنتَ يوما وضيعا
ونذلا
حقيرا
ولن تقوَ رؤية وجه الخيانة في خافقيك
نعم متُ والموت حقٌ
ولكنني متُ في ناظريك
منذ دهر بعيدٍ
وأقبرتني
ألستَ تذكّر؟
تذكّر، فوحدك من يعرفُ الآن أني
قُبرتُ
وخصميَ أنتَ
ستأتيك خيباتك اللاذعة
وتجترّك الأمنيات العجاف
وينتصرُ الحبُ لي بعد دهرٍ
حين تمسي
كتغريدةٍ فائتة
كمنشور نعيٍ حزين
يبثُ وفاتك إثر انهزامك
في ساحة المخلصين
و تستمر هنا تحلق كالطائر المطارد في تهويمانها تختزل حلمها بعد حالة من التمرد لتقف في ثبات تنشد النور و الخير و الجمال في تقرير يحمل النبوءات بين تضاد القبول و الرفض لتقول :
شهيد الصبر يا قلبي
أواري فيك دمعاتي
ويطوي صمتيَ المخبوء
تاريخا لخيباتي
أنا ما زلتُ واقفة
وما حددتُ وجهاتي
وبين الرفض واللارفض
تؤرّقني خياراتي
خسرتُ معاركي دوما
لأني اشتري ذاتي
فما ارجأتُ خاتمة
وما حانت بداياتي
هذه كانت بعض المحطات مشوار الكاتبة و الشاعرة والأكاديمية العٌمانية د. وفاء الشامسي ، التي نسجت من خلال مؤلفاتها المتنوعة و العديدة رؤيتها تجاه المرحلة العمرية لعالم الطفولة من كافة الزوايا لتثبت لنا أن الطفل مدخل الإبداع الفني دائما
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله