كدا علمتني أية :
كتب سمير ألحيان إبن الحسين
“أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”
قرأتها في وردي اليوم..
وكان عقلي قبل ذلك منصرفا إلى التمايز بين العصاة والطائعين في الآخرة، لكنني اليوم وجدت الأمر يبدأ من الدنيا..
لن يجعل الله أهل معصيته كأهل طاعته في الدنيا أبدا… وإن أظهروا غير ذلك…
يقول الحسن البصري رحمه الله عن العصاة:
“إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه”
لا راحة لعاص، وإن ملك الدنيا…
هكذا قال الله:
“سواء محياهم ومماتهم”
والبسمات المصطنعة والسعادات المستدعاة على وجه العصاة إنما هي طلاءات تخفي تحتها مرارات..
جميعهم غير مطمئنين، وإن جمعوا الملايين، أو هملجت بهم البراذين..
لأن إرادة الله تأبى أن تجمع في قلب واحد معصية الله وراحة باله..
رأيت وسمعت عن أناس كثيرين من عالم العاصين من يخافون عند كل نومة، أو مع هجمة أي مرض، أو مع أي مصيبة محتملة أن يذهب نعيمهم، أو أن تنتهي حياتهم أو شهرتهم أو جمالهم…
حتى أن بعض من سمعنا عنهم كفروا بالله لأن شبح الآخرة يطارد لذائذهم، فكفروا بها هروبا من تنغصيها عليهم حياتهم..
وبعضهم من فرط وحشة القلب وضيق الصدر قتل نفسه..
وإن شئتم سلوا الأطباء النفسيين عن زبائنهم من المشهورين..
وبعض من في قلوبهم بقية خير كان شعورهم بمعاصيهم يذهب حتى لذة النوم من مآقيهم!!
لن يسعد قلب يسخط ربه، ولو ملك الدنيا بأسرها…
سئلت يوما ما إحدى المذيعات:
إلام تعصين الله بالنعمة التي حباك إياها؟
فبكت، فقيل لها من بعض الصالحين :
هذه الدمعة في حد ذاتها دليل على أن القلب لن يهنأ بغير طاعة الله مهما ملك صاحبه من مقومات السعادة الزائفة.. وأحسبها تركت ما كانت عليه.
سئل كولن ولسن:
ما هي أغنى مدينة في العالم؟
قال: نيويورك… غير أنها تغطي تحتها أكبر كم من التعاسة!!
كأنه يؤكد على أن المباني المزخرفة لا يمكن أن تذهب ما في النفس من وحشة المعصية وإن بدت مختفية..
هذه الآية تسرية كذلك لكل مظلوم..
فلا هناءة لظالم، ولا راحة لمستبد… لأن عدل الله يأبى أن يجمع عليه نشوة انتصاره الظالم وسكينة نفسه!!
إخوتي..
في الدنيا جنة اسمها الطاعات فادخلوها وارتقوا فيها..
وفيها كذلك نار اسمها السيئات فاجتنبوها ولا تجترحوها… وإن ضعفت نفوسكم ساعة فاستفيقوا سريعا، واستغفروا وعودوا، فما تعيشه النفس من كآبات المعصية في الدنيا مثل ما يتألمه العاصي من نار الآخرة… فلا تجمعوا على أنفسكم العذابين..
وحشة الدنيا وسآمتها وعذاب الآخرة وفضيحتها..
سألني احد الخلان :
أقرأ كثيرا، أم أتدبر أكثر؟
فقلت له :
يا أخي، التدبر ليس معناه أن تُقلل من قراءتك..
إنما التدبر أن تكون تاليا في حال سبيلك… فتوقفك الآية رغما عنك… تحرك قلبك… تقشعر بدنك، تهيج دمعك..
التدبر أن توقفك الآية لا أن تقف على كل آية..
فإذا علمت هذا، فاقرأ ما شاء الله لك أن تقرأ… شريطة أن تترك قلبا مفتوحا على مصراعيه، وانتظر ما يأتيك من رسائل الله لك عبر آياته وأنت ترتلها..
قرأ النبي من سورة المائدة ما شاء الله له أن يقرأ وقبل أن يختمها بآيتين أوقفته آية:
“إن تعذبهم فإنهم عبادك…” فلم يستطع تجاوزها طوال الليل!!
واسترسل ابن المنكدر في سورة الزمر فلما وصل إلى قوله تعالى:
“وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون”
بكى حتى رحمه من حوله!!
يا أخي… الآيات ستوقفك رغما عنك، إن أردت التدبر… وعندها أوقف الدنيا إن استطعت…
لكن، لا تجعل الشيطان يدخل عليك من هذا الباب فيؤخرك عن سباق الخيرات والختمات..
فلا أنت قرأت، ولا أنت تدبرت!!
أكمل أخي مسيرك مع القرآن… فالكون كله الآن في مقرأة عظمى قلما تتكرر.
هكدا علمتني أية فقط فمابالك بالقرآن أجمع .