أخبار عاجلة

جمال الروح

جمال الروح
قصة قصيرة
وديع شاب لطيف جامعي، لا يحب رجال الدين المسيحيين ولا حتى المسلمين، ولا يكترث بمواعظهم الروحية… يقول مواعظهم لا تحمل المحبة الصادقة بداخلها، معظمها متعصبة، لا سلام فيها، ولا محبة للآخرين…
ومع ذلك كان وديع صديق شيخ البلدة، وصديق أبونا جورج… كانوا يزورون بعضهم البعض كأصدقاء يلعبون في طاولة الزهر، ويتحدثون بالسياسة، ولا يخلو الأمر من بعض النميمة على أهل الضيعة…
وديع كان يحب المزاح مع صديقه الأبونا، وكان يقول له: يا ابونا اسألك أن ترشدني على بنت الحلال، حتى تنير لي حياتي، وتنهي وحدتي…
الأبونا لم يكن يهتم لأمر زواج وديع، كونه لا يزال يبحث عن عمل، وظروفه المالية لا تسمح له بفتح بيت زوجية…
ذات صباح عائلة من اصدقاء الأبونا كانت عابرة البلدة، أحبوا زيارته واحتساء فنجان قهوة عنده…
استقبلهم الأبونا بحرارة، أب وأم، وولديهما شاب وصبية…
قال الأبونا: ما شاء الله الأولاد كبروا وصارت سمر عروس…
قالت الأم مازحة: صحيح، بالمناسبة ألا يوجد في هذه الضيعة عريس لأبنتي؟
حدق الأبونا في الشابة، الحقيقة، هي غير جميلة، وتذكر وديع صديقه، وأحب أن يمزح معه لأنه يعرف أن الموضوع برمته غير جاد، قال الأبونا ضاحكا، عندي شاب سأناديه بحجة ما، وسيتعرفان على بعضهما البعض ومن يدري؟
جاء وديع، وفهم سبب الدعوة، وصار يتحادث مع الصبية، ومن ثم اخذا لنفسيهما مكانا في حديقة الكنيسة، وطالت جلستهما، وكانا بغاية الانسجام
الأب نادى ابنته وقال: يجب أن نتابع سفرتنا.
قال الشاب، اسمح لي بكلمة: أنا شاب فقير، أبحث عن عمل، هل أتجاسر وأطلب يد ابنتك لتكون شريكة حياتي؟
جمد الجميع من هذا الكلام الصريح والمباغت، بما فيهم الأبونا الذي أحس بأن كلام وديع جاد بالفعل فيما قاله…
قال الأب بعد صمت: أود أن استشير ابنتي، والأبونا قبل أن أقول كلمتي.
قالت الصبية، أنا موافقة. وقال الأبونا على خيرة الله.
الأم أصابها نوع من الذهول المباغت، لكن سرعان ما أنفك لسانها وانطلق يزغرد…
استغرب أهل الضيعة الخبر، وعندما تعرفوا على الشابة، شمت من شمت، واستغرب من استغرب، وتساءل الجميع، كيف قبل وديع أن يربط مصيره مع فتاة تخلو من مسحة جمال؟
وديع لم يكن يسمح لأحد بالحديث حول الأمر، احياناً كان يقول، جمال الروح الذي اراه، أنتم لا ترونه.
أهل الشاب وأقرباؤه والجميع، حاولوا إقناع وديع بالتراجع عن قراره، لكنه حسم الأمر.
وديع كان يذهب لزيارة خطيبته، ويسعده قلبها الطفولي الذي ينبض بالمحبة لجميع الناس… مسيحيين ومسلمين وجميع المذاهب، محبة حقيقية.
وكانت تجثوا كل مساء تصلي طالبة من الله أن يرزق خطيبها عملا حتى يستطيعا أن يتزوجا…
في الضيعة، سأل الأبونا صديقه وديع مازحا، في رهبنتنا يطلبون رجالا خريجي جامعات عازبين، أو متزوجين ليصبحوا كهنة في الأرياف…ما رأيك؟ وضحك الأبونا لأنه كان يعرف جواب وديع الرافض قطعيا لهذا الأمر…
لكنه تعجب، عندما قال وديع جادا، هذا معقول سأسأل خطيبتي ما رأيها في أن تصبح زوجة كاهن؟
وافقت سمر على فكرة خطيبها وقالت بان الله، هو من يريدك أن تصبح كاهنا، وهو من دعاك إلى هذه الخدمة، التي هي أشرف مهام الحياة.
ذهب وديع لدراسة اللاهوت، كان يدرس ويناقش ويفهم، ويزداد عشقا لله… ويزداد قناعة بأن الله هو ذاته إله المسيحيين، وإله الإسلام، وإله اليهود وكل الأديان…
تزوج وديع، وتمت رسامته كاهنا، وصار اسمه أبونا وديع.
عينه الاسقف في احدى البلدات الجبلية الجميلة حتى يخدم الرعية، ودير الراهبات هناك.
أبونا وديع، جذب الناس اليه في وعظاته المركزة على تفهيم الناس من هو موسى، ومن هو يسوع، ومن هو محمد؟ وماذا يريدون منا؟
وكان يقول هناك حكمة للخالق، وحده يعرفها، تعدد الأديان، ولكنها جميعها تدعوا للتآخي والتعايش بمحبة والسلام…وإن أحسن الناس أتقاهم…
أهل البلدة أحبوا أبونا وديع الذي جعلهم يفهمون دين السماء المبني على المحبة وبذل الذات والتعايش السلمي بمحبة بين الجميع وكان يقول: الدين لله، والوطن للجميع… ويقول: أحبوا بعضكم بعضا، عاملوا الآخرين، كما تحبوا أن يعاملوكم…
جميع الناس يجب أن تتعايش مع بعضها البعض بسلام ومحبة، والتبشير في الدين يكون بالحوار الراقي…
الراهبات اكتشفن بأن سمر زوجة الأبونا وديع تتمتع بقلب طاهر وصوت جميل ملائكي، كانوا يلقبونها بالملاك الصغير…
دربنها على التراتيل الكنسية، وساعدنها على تأسيس فرقة كورال كبيرة، اشتهرت في المنطقة بروعة الأداء
كانت سمر تجمع الناس وتأكد لهم بأن البشر الصالحين: يحبهم الخالق…وغاية جميع الأديان: هي المحبة والتعايش بسلام…
فعلاً روح المحبة سادت في تلك القرية الجميلة.

ألف القصة: عبده داود
أيار 2022

شاهد أيضاً

هذا أنا

بقلم الصحفية / سماح عبدالغنى هذا أنا مدينة صاخبه تضج بك وكلما فاض الحنين إليك …