للأسف، هذا ما يحدث..فإلى متى؟ نساء مصر بين القانون والدولة العميقة 

 

 

كتبت: منى العساسي

 

منذ عقود يشهد ملف قضايا المرأة في مصر اهتمامًا رئاسيًا متزايدًا يعكس وعيًا بدوره المحوري في صون المجتمع وتقوية بنيته.

ورغم هذا التقدم، ما زالت بعض القرى والأقاليم تشهد ممارسات تُحدث شرخًا في منظومة العدالة. تتداخل فيها السلطة الاجتماعية مع النفوذ المحلي، وتظهر ضغوط تُمارس على نساء لإجبارهن على التنازل عن ممتلكاتهن أو حقوقهن المالية تحت تهديدات مبطنة. وتُستخدم الروابط العائلية أو التقاليد القسرية كأدوات ضغط تُلغي الإرادة الفردية وتُحرف المكتسبات القانونية والدينية التي أكدتها القوانين والدين معًا. وفي بعض الحالات يُنتزع توقيع أو إقرار بالقوة النفسية أو المعنوية، وكأن المرأة مطالبة بالتخلي عن ممتلكاتها كي تحافظ على سلامة شخص آخر، وهي معادلة تُضعف العدالة وتفرغ القانون من فعاليته.

وتتضاعف الخطورة حين تمتد هذه الظواهر إلى بعض النقاط والمراكز الأمنية، ويصبح القانون خاضعًا لإيقاع النفوذ المحلي. يحدث أن تتأخر المحاضر، أو تُوجه الضحية نحو “حل عائلي”، أو تُرسل رسائل غير مباشرة مفادها أن الطرف الآخر يتمتع بسلطة تفوق القانون ودعم خفي. وفي تلك اللحظة تتراجع سلطة الدولة أمام قوة العرف، ويتحول الجهاز المنوط به حماية الحقوق إلى مساحة ضغط تُفقد المرأة حقها في اللجوء الآمن.

ومع تزايد التعقيدات في هذا الملف، يبرز الخطر الأكبر في تمدد الدولة العميقة داخل بعض المناطق الطرفية، حيث تتقاطع المصالح المحلية مع شبكات السيطرة لتشكل طبقة موازية للقانون. هذه الطبقة تعمل في الظل عبر أنماط من المحاباة والسكوت المتبادل، فتنتج بيئة مضطربة تُستغل فيها النساء كمدخل لتوسيع النفوذ وإعادة توزيع الامتيازات داخل البنية الاجتماعية. تتحول ممارسات الفساد إلى منظومة صامتة تقوّض الإحساس بالعدالة وتضعف أجهزة الدولة الرسمية. وعندما ينكمش حضور القانون ويتمدد النفوذ غير الشرعي، يتزعزع الأمن الداخلي من جذوره، لأن المجتمع يفقد ثقته في قدرة المؤسسات على حماية أفراده من التعسف، وينشأ فراغ خطير تتكاثر فيه الصراعات الصغيرة التي سرعان ما تتحول إلى توترات واسعة تُنهك القرى والأقاليم وتثقل كاهل الدولة.

 

القانون المصري يضع نصوصًا واضحة لحماية الملكية الفردية، ويحظر الإكراه والتلاعب، ويجرم الامتناع المتعمد عن أداء الواجب الوظيفي واستغلال المنصب. ومع ذلك، النصوص لا تحقق غاية حماية الحقوق إلا إذا شعر المواطن بأن مؤسسات الدولة تتدخل لحظة وقوع الاعتداء، وأن حقوقه القانونية وملكياته الخاصة غير قابلة للمساومة. فبعض الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي تُستخدم لإخضاع الآخرين دون عنف صريح، ويكفي حضورها كي يشعر البعض أن القانون سيتراجع أمام وجودهم غير المرئي.

وفي مواجهة هذا المشهد يظهر دور النائب العام بوصفه حجر الزاوية في إعادة التوازن. فالنيابة العامة هي الجهة التي تتدخل عندما تُغلق الأبواب المحلية، وهي الملاذ الذي يُعيد الاعتبار للقانون حين يتعرض للالتواء في الأطراف البعيدة. ومنح النساء حق تقديم البلاغ مباشرة دون المرور بقنوات محلية متداخلة يعيد لهن القدرة على الدفاع عن مكتسباتهن القانونية وممتلكاتهن دون خوف أو مساومة. وكل إجراء تتخذه النيابة ضد موظف متواطئ أو صاحب سلطة متجاوز يعيد للمجتمع ثقته في مؤسساته ويضمن أن الحقوق لا تضيع عند أول مواجهة مع قوة اجتماعية أو أمنية منحرفة.

إن حماية النساء من الابتزاز والضغط والتنازل القسري عن ممتلكاتهن، والحفاظ على مكتسباتهن القانونية، ركيزة للأمن الداخلي وشرط أساسي لوجود دولة عادلة. فالمجتمع الذي تُصان فيه حقوق المرأة وممتلكاتها وحقها في اتخاذ القرار دون خوف، يملك القدرة على حماية نفسه من التفكك. وكل قضية تسترد فيها امرأة حقها تمثل خطوة في اتجاه تحصين الدولة، وتأكيد أن العدالة ممارسة يومية، والقانون حاضر لحماية أضعف أفراده.

شاهد أيضاً

مهرجان “آخر موضة” يستعد لإطلاق موسمه الـ٤١ يوم ١٢ديسمبر برئاسة الإعلامية الدكتورة مروة نورالدين

    كتب:عمرو مصباح منصة تجمع صُنّاع الموضة العرب في حدثٍ واحد يحمل شعار “نوفمبر …

شاهيناز فخورة بدوله التلاوة

    كتب:عصام ميلاد   أشادت المطربة شاهيناز أنها فخورة ببرنامج دوله التلاوه، الذي يعد …