الانطوائية الخفية… جريمةُ الصمتِ التي تقتلُ الإنسانَ
بقلم / الكاتب أحمد فارس
يعيش الإنسان الانطوائي صراعًا صامتًا لا يراه أحد، بين رغبته في التعبير وخوفه من نظرات الآخرين، بين حاجته إلى الأمان واشتياقه للاندماج في مجتمعٍ لا يرحم الصمت. كم من روحٍ نبيلة ذابت خلف جدار الخجل! وكم من حلمٍ مات لأن صاحبه لم يجرؤ على البوح به!
يُولد بعض الناس بميول طبيعية نحو الهدوء والعزلة، فيتأملون أكثر مما يتحدثون، ويفكرون قبل أن يجيبوا. غير أن هذا الهدوء الجميل قد يتحوّل إلى عبءٍ ثقيل إذا تجاوز حدّه، فيغدو الإنسان حبيس عالمٍ داخلي لا يسمعه أحد. وهكذا، يُهدر العمر بين أفكارٍ عميقة لا تجد طريقها إلى الحياة.
الانطوائي ليس عاجزًا، بل هو صاحب عقلٍ واسع وقلبٍ عميق، لكن خوفه من التجربة يجعله يختبئ خلف صمته. نراه في الطالب الذي يمتلك أفكارًا نادرة لكنه يصمت في القاعة، وفي الموظف الموهوب الذي يبدع في الكتابة لكنه يتراجع عن الحديث أمام فريقه، وفي الفنان الذي يُلوّن أحزانه بدل أن يصفها بالكلمات. جميعهم يملكون طاقةً هائلة… لو فقط آمنوا بأن العالم لا ينتظر الكمال، بل ينتظر المشاركة.
إن الانطوائية ليست خطأً، بل توازنها هو ما يصنع الفرق. فكما يحتاج الفكر إلى التأمل، يحتاج القلب إلى المشاركة. الصمت جميل حين يُنصت للعقل، لكنه يصبح قاتلًا حين يخنق الروح. والحل ليس في كسر طبيعة الإنسان، بل في تهذيبها: أن يتعلم الانطوائي أن يخوض الحياة بخطواتٍ صغيرة، بثقةٍ هادئة لا تصطدم بالعالم بل تضيئه.
أيها القارئ، سواء كنت عالِمًا أو طالبًا أو إنسانًا بسيطًا، تذكّر أن صوتك له قيمة، وأن الحياة لا تنحاز لمن يصرخ أكثر، بل لمن يُضيف معنى أعمق.
فلتكن رسالتنا جميعًا: لا تترك الموهبة تموت في صمتك… دع النور يدخل عالمك، ولا تخف من أن تُرى. فالحياة لا تُكتمل إلا حين يتحدث الصامت، ويُنصت الصاخب.
كذلك . قيمتك الحقيقية لا تُقاس بكمّ ما تقول، بل بعمق ما تقدّم. تحدّث حين يجب، واصمت حين ينبغي، لكن لا تدفن نفسك خلف جدار الخوف. ختامآ : تذكّر أن الحياة أجمل حين يتكامل البشر — حين يمدّ الصامت يده للمتكلم، والمفكر يلتقي بالمبادر — لتتشابك الأرواح كما تتشابك الألوان، فتصنع معًا لوحة الإنسانية المتكاملة…
اليوم وغدًا وإلى الأبد.
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 