محمد فوزى… تكريم من الخارج وتنكُّر من الداخل

بقلم: أيمن بحر
في سجلّ الفن المصري الزاخر، يسطع نجم الفنان الراحل محمد فوزي كواحد من أبرز صناع الموسيقى والبهجة في الوطن العربي. صوته، ألحانه، أفلامه، وشركته، كل ذلك جعله أحد أعمدة الثقافة المصرية في القرن العشرين. لكن، على الرغم من عطائه الاستثنائي، بقي اسمه مهمَّشًا من دوائر التكريم الرسمي في بلاده، بينما حظي بتقدير كبير خارجها، وخاصة في الجزائر.
هذا المقال محاولة لرصد لماذا لم تُنصف الدولة المصرية محمد فوزي بالتكريم الذي يليق به؟ وهل ما حُرِم منه كان لأسباب سياسية؟ أم تقصيرًا إداريًا؟ أم غفلة ثقافية؟
بداية فنية عظيمة
وُلد محمد فوزي في 28 أغسطس 1918 بقرية كفر أبو جندي فى محافظة الغربية. كانت انطلاقته الفنية مبكرة، وتميز بصوته العذب وموهبته الفريدة في التلحين والتأليف الموسيقي.
قدّم للمكتبة الموسيقية المصرية والعربية مئات الأغاني من أبرزها: “ماما زمانها جاية “بلدي أحببتك يا بلدي”, و*”شحات الغرام”*، كما شارك في أكثر من 30 فيلمًا، وأنتج العديد منها عبر شركته الخاصة.
لم يكتفِ بالغناء، بل أسّس أول مصنع للأسطوانات في مصر (شركة مصر فون)، والذي كان له أثر كبير في استقلال الصناعة الموسيقية عن الهيمنة الأجنبية في ذلك الوقت.
الجزائر تكرّمه… ومصر تصمت
الغريب أن الدولة المصرية، رغم ما قدمه فوزي، لم تمنحه وسامًا رسميًا أو تكريمًا رفيع المستوى حتى بعد وفاته.
بينما قامت الجزائر بمنحه وسام الاستحقاق الوطني عام 2017 بعد أكثر من 50 عامًا على رحيله، تكريمًا له على تلحينه النشيد الوطني الجزائري “قسماً” دون أي مقابل، في خطوة تعكس عمق تقديرها له.
كما أطلقت الجزائر اسمه على المعهد الوطني العالي للموسيقى، وهو أرفع المؤسسات الموسيقية في البلاد، وهو ما لم تفعله الدولة المصرية حتى اليوم.
مهرجانات فنية تكرّمه… لكنها لا تكفي
في المقابل، اكتفى المشهد الثقافي المصري بتكريمه من خلال مهرجانات أو فعاليات ثقافية مستقلة، مثل:
مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ34، حيث تم تكريمه بمناسبة مئويته عام 2018.
ندوات واحتفالات من وزارة الثقافة أو المركز القومي للمسرح والموسيقى في مناسبات ذكرى وفاته.
لكن هذه المبادرات، على أهميتها، لا تُغني عن غياب قرار رسمي سيادي يُمنح فيه اسم محمد فوزي وسامًا من الدولة، مثلما حدث مع كثير من أبناء جيله ومن جاء بعده.
لماذا لم تُكرِّمه الدولة رسميًا؟
من خلال الاطلاع على الوثائق وشهادات عائلته والمقربين منه، تتضح بعض الأسباب المحتملة:
1. علاقته بمحمد نجيب
فوزي كان مقرّبًا من الرئيس الراحل محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية بعد ثورة 1952. وعندما تم عزله وتهميشه، أصبح كل من كان مقرّبًا منه عرضةً للريبة والابتعاد.
2. تأميم شركته
شركة “مصر فون” التي أسّسها تم تأميمها في عهد الرئيس عبد الناصر، ما شكّل ضربة قوية له نفسيًا وماديًا. وقد أُشيع أن قرارات التأميم أضعفت مكانته وأثّرت على علاقته بالسلطة.
3. تدهور حالته الصحية والنفسية
بعد سلسلة من الأزمات، أُصيب بمرض نادر في العظام، وتوفى عام 1966 عن عمر 48 عامًا. روايات عائلته تؤكد أن الدولة تأخرت في علاجه، رغم استحقاقه المساعدة الرسمية، مما زاد من الإحساس بالخذلان.
4. غياب الدعم المؤسسي بعد وفاته
عكس ما جرى مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، أو عبد الحليم حافظ، لم يكن هناك من يُدافع عن إرث فوزي بقوة داخل المؤسسات الثقافية والنقابية، مما أدى لتهميش اسمه تدريجيًا.
ماذا يعني “التكريم الرسمي”؟
التكريم الرسمي في الحالة المصرية ليس مجرد إقامة حفلة أو إصدار طابع بريد، بل يشمل:
منح وسام رسمي مثل “وسام الجمهورية” أو “وسام الفنون”.
تسمية شارع أو ميدان باسمه.
إدراج اسمه في المناهج التعليمية والمقررات الفنية.
إقامة متحف أو جناح باسمه في دار الأوبرا أو الأكاديمية.
اعتراف إعلامي وثقافي دوري ومنهجي بقيمته الفنية.
وحتى الآن، لم يحصل محمد فوزي على أيٍّ من هذه الصور.
الخلاصة: غياب الوفاء الرسمي
يبقى محمد فوزي أحد أعمدة الموسيقى العربية في القرن العشرين. صاغ لحن النشيد الوطني لدولة عربية، وقدم للفن المصري مدارس لحنية جديدة، وساهم في تطور الصناعة الموسيقية إنتاجيًا وفنيًا.
لكن رغم ذلك، لم يُنصفه وطنه رسميًا، ربما بسبب حسابات سياسية، أو غفلة إدارية، أو جهل بقيمته.
واليوم، ومع ازدياد الوعي بأهمية إعادة الاعتبار لرموزنا الفنية، فإن الدولة المصرية أمام فرصة تاريخية لتكريم محمد فوزي رسميًا بما يليق بإرثه، تمامًا كما فعلت الجزائر.
قد لا يفيده التكريم بعد الرحيل، لكن من حق الأجيال القادمة أن تعرف وتفخر بمن كان محمد فوزى.
جريدة الوطن الاكبر الوطن الاكبر ::: نبض واحد من المحيط الى الخليج .. اخبارية — سياسية – اقتصادية – ثقافية – شاملة… نبض واحد من المحيط الى الخليج 