Oplus_16908288

قصة قصيرة الملثم المٌهاب

قصة قصيرة الملثم المٌهاب

القاص نورالدين بنعيش

لا مكان للاستسلام عند أم المهاب.

ومهما كلفها ذلك من ثمن، فالمساومة على التخلي عن الوطن مستحيلة.

جلدها، وقد أصبح كالغربال مخروماً بالرصاص، لم يمنعها من الاستماتة. فقد كانت تعض بما تبقى من نواجدها على الصبر، وباستمرار تصمت جوعها بسفّ الرمل.

بقاؤها في المتاريس، على غرار باقي الأمهات، مرتبط بقومة الملثم؛ القابض على جمرة النصر.

اقترب سالم، ابن المهاب، من جدته، بصوته الملائكي، يحاول إخفاء نشيج يقطع أحبال النطق:

ــ “هدّئي من روعك يا جدتي، لا تصدقي أخبار الإعلام الأصفر”

كتمت عن حفيدها حزناً عمّق أخاديد كثيرة في قلبها، وأظهرت تجلّدها أمامه، فهو آخر عناقيد الكرمة.

لكن نبأ الموت ألهب نيران الوحشة، فأجهشت بالبكاء حين وجدت نفسها وحيدة. بعكازها خطت نحو جدار النفق، تتأمل بعينيها الذابلتين صورة ابنها، وهو يحاضر في إحدى المدرجات الجامعية.

عطفا عليها لم تدع الريح ندى الدمع ينساب على خديها، لكي لا يتلاشى تجلدها. ، ودفع الصدى بأنين الوجع بعيداً عن جسمها النحيل.

 وبينما كانت الشائعات تبني قبراً للمهاب، نهض من تحت الردم، وقد قاوم بشراسة احتضاراً كاد يزهق روحه.

مضرج اليدين بالدماء، زفّ البشرى لأبناء وطن يُذبح هو وبنوه.

كان ظهوره خلطاً للأوراق، وقطعاً للطريق أمام النافخين في المزامير.

وبصوت عالٍ صرخ:

ــ “أنا قادم إليكم… فانتظروني!”.

ثم ابتلعه الغياب.

رسالة ضمنها شفرات عديدة، وجعل اختفاؤه الإعلام المزيّف يسيل حبراً باهتاً، كأوراق الشجر في بداية الخريف.

الكل يتساءل عن المهاب، وعن أسباب هذا الاختفاء الطارئ.

والكل أيضاً يريد ترميم قصيدته بآخر بيت، يؤكد فيه حقيقة مقتله.

رعب سرى في القلوب.

في الضفة الأخرى، على خطوط التماس، بُحّ صوت الشوفار. وعلى طول شريط ضفة الضباب، وصولاً إلى بلاد العم سام، خفت جرْس الكنائس.

أما في أراضي السراب، حيث انتشر المجون وامتلأت الأقداح بالشراب، فقد أُفرغ قلب الأمة، عن آخره، من هوية الانتماء إلى الوطن الكبير، واكتفت المنابر بالصلاة على النبي.

وطن يجد نفسه في ملتقى طرق الحيرة، لا هو مع هؤلاء ولا مع أولئك.

وكالصاعقة، ظهر المهاب من جديد، بكوفية مزركشة ببياض أصباح الانتصار، وسواد أمّ الحروب، يفنّد كل المزاعم:

ــ “لا صوت يعلو على صوت الثوار. حيٌّ أرزق، ما زلت أشدّ على زند بندقيتي، وأحفر قبر غريمي بصمت. فمن الآن، عليكم إحصاء أنفاسكم الأخيرة. فبارودي، وغضبي، وإرادة شعبي… ركائز صلبة تباركها السماء.

لا تنتظروا موتي، فالعنقاء لم تمت. دوماً لها فراخ تنبت من رماد اليباب، لتزيل الرمس عن الجثث العالقة تحت التراب”…

شاهد أيضاً

عايز أصرخ

عايز أصرخ بقلم الشاعر خالد أحمد عايز أصرخ بصوت عالي عايز أتكلم بس معاكِ عايز …