نعيم الجنة لا يشوبه كدر
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، أحمده سبحانه جعل في السماء بروجا، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، لم يعلم طريق خير إلا ودلنا عليه، وما علم سبيل شر إلا وحذرنا منه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين أما بعد اعلموا يا عباد الله أن هذه الدنيا لئن كانت مكدرة فإن الجنة خالية من الشوائب والكدر، ألا ترى أن طعام أهل الدنيا وشرابهم يتحول إلى الغائط والبول ورائحة كريهة؟ ألا ترى أن نساءنا يقطعهن الحيض والنفاس، ألا ترى أن شيئا في هذه الدنيا يكدره ما يكدره؟
أما نعيم الجنة فلا يشوبه كدر، بل إنه نعيم باقي دائم، ولذلك مثل الله متاع الدنيا كزهرة وورقة خضراء تيبس ثم تذروها الرياح، فكأن لم تكن شيئا، أما الجنة فهو رزق ما له من نفاد، حيث قال تعالي ” ما عندكم ينفذ وما عند الله باق” أما الجنة فأُكلها دائم وظلها، فإننا إذا تأملنا هذه الحقائق علمنا أن الفوز الحقيقي هو الفوز بالجنة، وأن الفوز الزائف المؤقت هو تعلق أهل الدنيا بما يحققون، وتذكر حال لاعب قد صفقت له الجماهير، وهتفت وأعطته الهتافات يوم أن سدد برجله ضربة على تلك الكرة إلى مرمى فريق الخصم، ثم التفت والجماهير وهي تهتف له، ثم أتى أقرانه وأترابه من اللاعبين يقبلونه ويحملونه على رءوسهم، انظروا تلك الفرحة التي تغمره، أو يراها فرحة غامرة، والله ليس ذلك إلا خداع فرحة، وما ذاك إلا خداع سرور ولو تأمله لوجد أن بعده ما بعده.
وانظر ذلك الذي يناقش رسالة في الماجستير أو الدكتوراه، فإذا خرجت اللجنة بعد أن تداولت ما قدمه الطالب في رسالته، وأعلنت اللجنة مجتمعة لا بالأغلبية أن هذا الطالب نال الإمتياز ومرتبة الشرف، وأوصت بطباعة رسالته، كيف يتهلل وجهه؟ وانظر إلى آخر يسمع قرارا يبشر فيه بمرتبة علية في وظيفة أو في منصب من المناصب، كل ذلك نعيم أو متاع أو فرحة أو فوز، ولكنه بين حلال وحرام، وما كان من ذلك كله فاعلم أنه زائل وينتهي عنك، وصدق القائل ” أموالنا لذوي الميراث نجمعها، ودورنا لخراب الدهر نبنيها، لا دار للمرء بعد الموت يسكنها، إلا التي كان قبل الموت يبنيها، فإن بناها بخير طاب مسكنه، وإن بناها بشر خاب بانيها، فإنه لابد لدخول الجنة من عمل، فإن أناسا يقولون كيف السبيل إلى نعيم الجنة؟ ولا يمكن أن نصل إليه أو أن نسلك سبيله إلا إذا أصبحنا رهبانا.
نلبس المسوح، وننقطع عن الناس، ونعتزل عن المجتمع، ونظمئ الأكباد في النهار، ونتعب الأقدام طيلة الليل، وهذا منطق يحتاج إلى تأمل، أما الذين يظنون أن الجنة لا تبلغ إلا بالرهبنة، ولا تبلغ إلا بتحريم نعيم على النفوس نعيما قد أباحه الله، فذلك ليس بحق أبدا، حيث يقول تعالي ” قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة والطيبات من الرزق ” ومن هذا الذي يظن أنه لا ينال الجنة إلا إذا شدد على نفسه أمرا جعل الله له فيه فرجا؟ ومن هذا الذي يظن أنه لا ينال نعيم الجنة إلا إذا ضيّق على نفسه أمرا جعله الله واسعا؟ ومن هذا الذي يظن أنه لا ينال نعيم الجنة إلا إذا ترك طيبات قد أحلها الله تعالي لعباده المؤمنين وتكون خالصة في الجنة بإذن الله لعباده الصالحين؟ وليس هذا بمنطق وليس هذا بعقل، ولكن الجنة تحتاج إلى عمل، لا تحتاج إلى الأماني، أو التشهي أو التمني.
وإن نجمة يعلقها ضابط من الضباط على كتفه ما نالها إلا بعد سنوات من التدريب الشاق، والامتحانات الصعبة، إن شهادة ينالها طالب من الطلاب ما نالها إلا بعد سنوات من الكد والجد والمذاكرة والمثابرة، وإن تاجرا ما جمع حفن من المال إلا بعد سهر طويل.